قراءة في كتاب فرسان الفن حول قصص حياة الرسامين الإيطاليين
للمؤلفة إيمي ستيدمان
قراءة / راضي جودة
تينتوريتو ٢٩ سبتمبر ١٥١٨ ـ ٣١ مايو ١٥٩٤م
كما ان سنغافورا اصبحت الاسم الأكثر شهرة وبريقا في عالم المواني والتجارة في أيامنا هذه ، فإن فينيسيا من اربع أو خمس قرون قد اعتلت عرش مملكة البحر وأصبحت سيدة التجارة والصناعة ، لقد هبت من صدمة الحرب وابحرت سفنها إلى كل المواني محملة بالحرير والقطيفة والدانتيلا والأصباغ خاصة الأرجواني .
لقد تعلموا أهل فينيسيا فن النفخ في الزجاج وتشكيله ، كما وصل فن الرسم إلى أوج عظمته وقد بدأ جيورجيون وتنتوريتو يرسمان قصورها ومحاريب كنائسها .
في وسط مدينة فينيسيا حيث بيوت الفقراء المعدمين عاش باتيستا رويستي الصباغ وهو والد جاكو الذي عرف باسم تنتوريتو أي الصباغ الصغير ، كانت الألوان تخاتل ناظريه كل حين وهي تبرق وتلمع مع الاقمشة ، وعندما صار رجلا علمنا من رسوماته مدى تقديرة للألوان الوقورة والداكنة ، وتعلم ان يرسم جدران بيت أبيه بالطبع وربما يفعل ذلك كل طفل ، ولكن أصابع تنتوريتو الصبيانية أظهرت علامات الموهبة ، ولم يعنفه والده بل شجعه .
كان تيتيان الفنان الأعظم في العالم في نظر تنتوريتو وكانت أقصى أمانيه أن يتعلم على يديه ، وكان أسعد أيام حياته يوم قرر والده أن يأخذه إلى مرسم تيتيان ويطلب إلى الاستاذ أن يقبله كتلميذ ، ولكن السعادة لم تدم طويلا حيث لم يقبل تيتيان بعمل الولد ورفض ان يحتفظ به في مرسمه ليعلمه ، وشعرت العائلة بخيبة الأمل إلا أن الحلم لم تخبو جزوته في قلب الفتى وراح يعمل من خلال أعمال تيتيان ويتعلم منها ، وكذلك تعلم دروسا من أعمال مايكل أنجلو واصبح مايكل انجلو مثله الأعلى في الرسم وتيتيان في التلوين .
عاش الفنان الشاب في حجرة بسيطة وفقيرة ، ولقد أنفق معظم أمواله في شراء التماثيل والسبائك ، وكانت له طريقة عجيبة في تجميع النماذج من الثماثيل الصغيرة والشمع ويرتبها في صندوق من ورق مقوى أو صندوق خشبي به فتحة ليدخل شمعة مضاءة به ، وبجانب تجميع الأشكال كان يهتم بترتيب الضوء والظل .
ورغم اجتهادة ومثابرته فلقد تأخرت الشهرة وخاف الناس من طريقته الجريئة في الرسم ، ومع ذلك عمل بثبات وديمومة وإذا لاحت له فرصة ولو بلا أجر فإنه ينتهزها ، وعندما فكر الفنانين الفينيسيون الشباب اقامة معرض واستأجروا غرفة في ميرسيريا وهي اكثر بقاع فينيسيا ازدحاما ، اشترك بلوحتين بورتريه له والآخر لأخيه ولفت نظر كل من شاهد المعرض حتى تيتيان نفسه باح بأن أعمال تنتوريتو جيدة وصوره نقية وحية .
بدأ الحظ يبتسم لـ تنتوريتو منذ ذلك الحين وشيئا فشيئا بدأت الأعمال تتوالى عليه من محاريب الكنائس حتى قصر الدوق وكان هذا أعلى شرف يمكن لفنان فينيسي أن يتمناه ، انتهت أيام الفقر والمرسم البسيط الوحيد والحياة الحزينة ، واصبح منزله قصرا جميلا يطل على بحيرة تجاه مورانو .
تزوج ابنة أحد النبلاء الفينيسيين وعاش حياة قانعة سعيدة ودب دبيب الأقدام الصغيرة ، ربما كانت أعماله غريبة .. ولكنها كانت رائعة واكسبته لقب الرسام الثائر وبدأ العالم يعرف أهميته ، ولكن نور حياته الحقيقي تمثل في ابنته الصغيرة ماريتا ، فبمجرد أن تعلمت المشي وجدت طريقها إلى مرسم والدها وظلت حتى سن الخامسة عشرة معه تساعده كما لو أنها أحد تلاميذه .. وكانت ترتدي دوما زي الأولاد ولم يفطن زائرو المرسم قط أن الصبي الماهر الوسيم .. كان حقا ابنة الرسام .
ورسم الكثير من المدارس ومنها مدرسة سان روكو التي غطى جدرانها برسومه ماعدى حجرة تركها لفنانين آخرين ، ولكن أشهر أعمال رسامنا في قصر الدوق ؛ فلقد غطى جانبا كاملا من الصالة الكبيرة هناك راسما الجنة وهي أكبر عمل زيتي في العالم .
عندما كان تنتوريتو يرسم كانت ابنته ماريتا قد كبرت واصبحت أمرأة واضحت رسومها أيضا شهيرة ، ولقد دعيت للبلاط الألماني والأسباني ولكنها رفضت وفضلت البقاء مع والدها حتى حين تزوجت من ماريو لم تبتعد عنه فهي تجيد الرسم والعزف والغناء ، وفجأة توفت ماريتا في ريعان شبابها ودفنت في كنيسة سانتا ماريا ديل أورتو وطلب تجهيز مدفن بجوارها ، بدا وكأن الفنان الكبير لن يستطيع العيش دون ابنته ؛ فلم يمر وقت طويل حتى وافته المنية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق