نقد الأعمال وتقييمها
من خلال اسقاطات الخلاف
راضي جودة
« تحت هذا العنوان وفي صفحة رقم ٤١ من كتابي (التشكيل والتجريب) رؤية فنية لأعمال تشكيلية عصرية ـ الجزء الأول ـ
كنت أضع في ذهني قيمة النقد للأعمال دون استحضار المنافع أو درء المشاكل أو تصفية الحسابات على قيمة العمل التشكيلي ، وطبع الكتاب طبعته الأولى والأخيرة عام ٢٠٠٤م ».
إلى حضراتكم مقال نقد الأعمال :
تقييم الأعمال لا دخل له بالمعارك الجانبية أو اختلاف وجهات نظر كان من المفترض الا تفسد للود قضية ، أما إذا كانت أحبال الود قد انفلتت من أيدينا ، فإن للأعمال حق وواجب يجب تأديته واحترامه دونما رجوع إلى كثير من الخلفيات الضبابية في بعض العلاقات التي ربما تنامت خلافاتها من خلال فهم خاطىء لأمر حقيقي وواضح ، ولكن المكابرة والقفز خلف أسوار الشجاعة والمواجهة عمل على اتساع هوة خلاف لم يكن لها وجود أصلا ، وهنا يقع الظلم الكبير على مناقشة الأعمال .. ولا نطلق المقولة السائدة بأن الشللية هي صانعة النجوم وأن من لا يملك صديق قادر على أن يفرد له الصحف البيض لتسود بصوره وأخباره ومشاريعه فانه يبقى طي النسيان ، قد يكون الأمر يحمل الكثير من الحقيقة ، ولكن أريد التأكيد على أن عدم معرفتك بي لا يلغي وجودي ، فأنا فعلا موجود ، ولكن فقد أحدنا قناة الإتصال ووسيلة التعارف ، قد تتفق معي أو قد تختلف حول أعمالي ، قد ترضي ذائقتك، قد تتوافق أو تتنافر أو لا تستجيب لرؤياك وثقافتك ومحصلتك العلمية والحياتية من فكر وتجارب أما أن تتجنى على أعمالي من خلال شخصي فذلك أمر آخر .. المنصفون لا يعولون على المسائل الشخصية ولا يعتدون بها عند تحليل الأعمال ، فلن يكون مقبولا وأنا مهموم بالفن ومتابع للحركة التشكيلية أن أتغافل متعمدا عن سين أو صاد من زملاء التشكيل بإعتبار أن له أنف معوج …
المسألة هنا على غير ما نأمل ، ولو أننا أتينا اليوم من أجل أن نضع أسنة الحراب في صدور وظهور رفاقنا ، أو نتزلف إليهم بزهور لا رائحة لها وكأنها تقدم في جنائز ، نحن نريد تقييم الأعمال أو تحاور بصري لأعمال بصرية ذات خطوط وإنكسارات والوان ونتوءات وخربشات ، نحن أمام ملامس وسطوح وأهم ما يميز مفرداتنا أنها لا تحمل هم اللغة وقواعدها وتشبيهاتها وشواهدها لأن البحوث داخل النصوص قضية لا نسعى إليها ، وإنما نحن نرى الصور والشخوص والأشكال والنفوس ونتأثر بكل ذلك ، ثم نعبر عن كوامنا بتلك المداخل وهذه المعطيات .
عندما نستجلي ما تحتويه اللوحة من تهويمات أراد الفنان ان تكون لغته ورسالته من خلال رموزه أن يشفر بعض العلائق حتى يستدعي فكر المتلقي وحضور مخزونه الثقافي والوعي بالفن التشكيلي ، فإن هذا التشفير الرمزي قد يفك محاوره بعض المقربين من خصوصية حياة الفنان الصحية والنفسية وإبداعاته ، باعتبار الغياب اللحظي لبعض المؤثرات قد تكون لها اسبابها المالية أو المهنية أو غيرها من تفاصيل حياة الفنان المبدع .
هناك طرح علمي ممتاز حول تقييم العمل من خلال تاريخ الفنان واعماله وتطورها إلا أن لي وجهة نظر حول الأعمال الجديدة ، والتي تراها العين وتدهشها قبل النظر أو البحث عن اسم الفنان ، فالعمل المدهش للعين المدربة هو الذي سبق النظر وأختطف اللحظة ، هو البطل الذي يجب نعتني به ونحتفي به دون سلطة الأسماء أو التواريخ لأن هناك فنان يكرر ذات الأعمال في كل معرض دون تغيير ولا تجديد ولا إضافة ، الأعمال من مدينة لأخرى ثم يسجل في أنشتطه المشاركات الثلاثون والأكثر لعقدين من الزمان ، لقد تشبعت أعين المتابع من التكرار الممل ، ولكن يخرج عليك مدافعين ومنظرين رافعين شعار لا مساس لهذا الاسم العلم .
نعم لللدراسا النقدية للأعمال الفنية بعيدا عن سلطة الأسماء ، ودون إعتبار لخلافات ، ودون تخصيص لفرد على حساب المجموع بعد ظاهرة الناقد الخاص والمنفذ الخاص والمصور الخاص وهكذا .
نطالب وبإلحاح تناول العمل بالتمحيص وبيان جوهره ، مما يدفع إلى تكوين قاعدة معرفية مهمة ، وربط قوي بين المبدع والمتلقي دون أن نعود من جديد إلى غبش الرؤية ، أو دباجة الثناء والتبجيل لمن طوقنا بمعروفه أو من دفع إلينا مبلغا معلوما ، أو لمن منحنا فرصة الظهور أمام تلك النخب المميزة ، كي نظهر بلاغتنا في المديح ، حوارنا حول اللون والشكل والملمس .. حوار حسي بصري .
ليس الفن أن تكون اللوحة جميلة ناقلة لما في الطبيعة فحسب وإنما تحمل أحلام ورؤى الفنان بالحس الإجتماعي والآمال والطموح ، وليس الفنان بطبيعة الحال هو ناقل جيد للصور كما يراها وإنما تنعكس عها حالته النفسية وإنسجامه فيما يطرح .