الخميس، 5 يوليو 2018

فهد الحجيلان / الفنان الذي وافته المنية في مرسمه !

المقال نشر بمجلة أحوال المعرفة




فهد الحجيلان
ليس آخر من مات حزنا

راضي جودة

مقطع :
قالت أمي : لاتستسلم للأوجاع .. قاوم .. لأن الأنتصار في نهاية الأمر سيكون للذين يقاومون ولايستسلمون .. الحياة تشبه مباريات كرة القدم العبرة بالنتيجة النهائية .
                                                                                              فهد الحجيلان

في الوقت الذي يتوق العالم لحياة خالية من الأوجاع ، ومراكز البحث الطبي تبذل مزيد من الجهود حول حلول وأدوية للأمراض ، وكذلك تنشط دعايات الوصفات والطب البديل ولكن عند حالة الوفاة يتوقف الزمن تماما وتدور عشرات الأسئلة عن الحقيقة الأبدية في عالما بأننا مهما بزلنا من جهد وانتاج وصراع على أن نكون أو لا نكون نصبح على خبر الوفاة وجسد مدفون .
وفي حالتنا مع الفنان التشكيلي الراحل فهد الحجيلان تأخذنا الحيرة ،هل اللوحة تعيش أطول عمرا من الفنان الذي رسمها؟ ، وهل اللون هو اللغة والوصية التي يتركها الفنان بعد أن يغادر الحياة؟ ، وما هو شأن الفن بالفنان؟ ، ما هي تلك الروابط التي لا انعتاق معها بين الفن والفنان ؟، هل فعلا الفنان كائن يتألم لنفسه وللآخرين؟ ، وماهي قصة الموت حزنا أو جنونا التي تصيب الفنانين؟ ، وما ذلك الصخب الذي يتركه رحيل الفنان ؟.
 اسئلة تطرح نفسها أمام النقاد والمتابعين ، حتى يتكون من خلالها رأي عام يشغل الناس بتفسيرات وتأميلات متعددة .
والفنان فهد الحجيلان ـ يرحمه الله ـ صاحبت وفاته تأويلات وتساؤلات حول آخر كتاباته على صفحته بموقع التواصل الإجتماعي الفيس بوك وكذلك الإنستجرام ، وتلك في رأيي ليست خاتمة ما كتب وإنما هي حالة كانت تصاحبه بالفترة الأخيرة لأسباب لم يفصح هو عنها ولكن من ثنايا الحوارات يمكنك ان تستنتج ما كان يؤرقة ويسبب حزنه، والرجل كما يعمل الجميع قد مر بتجربة غنية وانتاج غزير لا اتجاوز الحقيقة لو قلت أن أعماله ربما وصلت لرقم قياسي لم يصله كثير من الفنانين المعاصرين خاصة إنه كان يرسم بشكل يومي حتى الرمق الأخير ووافته المنية وهو داخل مرسمه .
 والذات المبدعة وتجربتها التي كانت تحتوي الحجيلان يظن البعض انها لم تترك له مجال لمتابعة مايدور خارج حدود المرسم ، وهذا ليس حقيقي ، فهو متابع جيد جدا لكل ما هو جديد ويظهر على وسائل الإعلام ومتابع للمباريات حتى للدوري المصري وله أصدقاء ومعارف وأحبة في كل مكان .
طيور فهد الحجيلان وازهاره وخيوله والأنثى التي ظل يرسمها طول حياته سوداء الشعر حارقة النظر .. عربية الملامح ، كلها رموزه تحمل بصمته وتوقيعه ، نابعة من رحلة بحثه المضنية والإشتغال اليومي للحصول على فن بصري مستقل وله ملامح وخصائص بتوقيعه هو دون غيره حتى أصبح الرسم هو قوت يومه وكثيرة هي الليالي التي نام فيها داخل مرسمة بعيدا عن فراشه ، لم يكن تجريديا كما يظن البعض إلا في حالات بسيطة لأن اسلوبه في تجربته الفنية مبني على التجريب والتحليق حول الفكرة، كانت لديه قدرة كبيرة على استنباط الأشكال وكان يرسم للقصائد وللأعمدة الصحفية وأغلفة الكتب التي تصدر عن جريدة الرياض .
أقام وشارك في العديد من المعارض المحلية والدولية وله حضور جميل ومتابعين على مستوى الحراك التشكيلي وفي كتاب تاريخ الفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية للدكتور محمد الرصيص عن تجميل المباني والمؤسسات الحكومية بأعمال فنية استشهد باعمال في المطارات ومبنى وزارة الحرس الوطني وأشار إلي جدارية في قاعة شدا للفنون بالرياض من أعمال الفنان فهد الحجيلان منفذة بالوان البلاستيك على الجص الأبيض .
كما وثق جزء من مسيرته الفنية الفنان احمد فلمبان كتابه (فن في نصف قرن) أضواء على توهجات الفن التشكيلي السعودي . حيث شارك الحجيلان في معارض وزارة المعارف وفعاليات الرئاسة العامة لرعاية الشباب ، والجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون في الرياض وجدة وانشطة وزارة الثقافة والإعلام والعديد من المعارض الجماعية والمسابقات والمهرجانات ، وجميع معارض مختارات عربيةوفعاليات اتيلييه جدة .
ومن معارضه الشخصية : « المرأة الأرض ، عين الحصان ـ جناح الطائر ، رسالة لم يقرأها أخي ، رسائل قصيرة جدا ، رسائل للبحور الألف ، أسطورة الريح ، اتبع الخط ، الصخرة الحمراء ، مد ، وعصفور البرد ».
كما حصل يرحمة الله على العديد من الجوائز منها : الجائزة الأولى في معرض الفن المعاصر الثاني ، الجائزة الثانية في معرض المقتنيات لمرتين ، جائزة الإبداع الخامسة ، ودروع وشهادات تقدير منذ إشتغاله بالتعليم حتى تفرغه للفن .
قد يقول قائل بأن الغربة الإجتماعية تأتي بشكل غير متوقع عندما يقدم الفنان عملا متجاوز المجتمع وبالتالي يضع ملامح وحدود جديدة يخلقها الحاضر فيجعل الفنان أكثر عزلة ، والحقيقة أن الثقافة البصرية بكل مناهجها واساليبها تحتاج مجهود كبير من الفنانين والإعلاميين لوضع جسور تواصل بين المبدعين بكل شرائحهم وبين مجتمعهم ، والذي نجح في جعل الرياضة تكاد تصبح أسلوب حياة ومنهج حواري مجتمعي يومي عليه أن يفكر في فتح سبيل وعمل مناخ لتقريب تلك الأفكار الفنية والأشكال والألوان لكل أفراد المجتمع ، وكذلك بيان أهمية تنمية الذوق العام في المظهر واللون على الطريق وبالمنزل وبكل مكان .
الفنان الحجيلان نوع فريد من المبدعين الذين يشعرونك بأهمية ما يقدمون ويطرحون رأيهم بكل شفافية وتظهر على ملامحهم خطوط اشكالهم والوانهم في صدق تجربتهم ، وسوف تدرك سريعا أنك أمام شاعر وفنان وسارد ومثقف ومحاور جيد، نزوع الحجيلان لفكرة عدم المحاكاة أو التقليد خاصة عندما ينحاز للتعبيرية فأنه يأخذ من الأحداث والبيئة ويقدم تلخيصا موجزا يشرح وجة نظره في سهولة ويسر ، وله رأي في الأعمال المقلدة أنها تشبه أطفال الأنابيب ، والكثير من الرؤى والأفكار ، فنان يفكر ويبتكر ويحدث حالة من الدهشة .

 الصدمة التي أحدثتها وفاة الفنان فهد الحجيلان الغزير الإنتاج المتفرد فيما ينتج ذو الخبرة الونية الكبيرة تدفعنا للتوصية بأنه يجب على النقاد والدارسين أن يهتموا بالبحث وراء أعماله الفنية بشكل حقيقي بعيدا عن الاسقاطات المعيشية والحياتية والحالة المزاجية فالفنان بطبيعة تكوينه قابل للكسر ويحتاج لحالة من التعامل ذات اسلوب خاص في جو بعيد عن الضغط النفسي والكبت الاديولجي والصراع على لقمة الخبز ، ولم يكن فهد الحجيلان آخر من ماتوا حزنا فالقافلة طويلة والموت قهرا وظلما سوف يستمر طالما لم نوفر للفنان مظلة التأمين المادي والمعيشي والصحي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق