الثلاثاء، 2 أغسطس 2011

قراءة في أعمال الفنان عبد الله المرزوق





قراءة في أعمال الفنان عبد الله المرزوق
قوس قزح الصحراء
المعرض المقام بصالة الأمير فيصل بن فهد للفنون
في الفترة من ٢٤رجب ١٤٣١ إلى ٤ شعبان ١٤٣١هـ
بقلم / راضي جودة



للتعريف بالفنان عبد الله بن عبد المحسن المرزوق نجد سيرة طويلة للدراسة والعمل والمشاركات وذلك في الكتاب المصاحب للمعرض ولكن نرى أن النص المكتوب عن الفنان قد ركز على انحياز الفنان للمكان في مشروعه السابق حيث رسم الأبواب والنوافذ وقد دفعني ذلك للبحث في أعمال الفنان القديمة ووجدت ميله الشديد للتجريد و اعتماد التلخيص الهندسي للأعمال السابقة فالنافذة لديه لا تطل على شيء ولا تنظر للداخل وإنما هي نافذة من خلال حضور هندسي تشبه إلى حد كبير ماكيت الديكور ولكن تحمل معالجة لونية للبحث وراء النور والظل مما يؤكد على فهم الفنان لحضور المشهد بما يحمل من دلالات كما اعتمد الفنان أسلوب التلخيص وإظهار المحتوى العام دون الدخول في التفاصيل وذلك هو التجريد الذي قصدناه .. والذي ظهر جليا في مجموعة ( البيت العربي ) التي جاءت بعد عودته من الدراسة بأمريكا وبعد مجموعة مشاركات فنية ومعارض امتدت لــ ٢٠ عام .. جاءت تلك الأعمال تلخيصاً وانحيازاً للتجريد والبعد عن التشخيص مستخدما الألوان المائية ، ونتحدث اليوم عن معرض يحتوي على أكثر من ثمانين عملا تشكيليا يسجل لتجربته التي امتدت لـــ ١٤ عاماً لمشروع ( قوس قزح الصحراء ) وهو ترميز للزمان والمكان في موضوع المعرض أو موضوع المشروع الفني الذي أخذ من عمره تلك السنوات ، والزمان المقصود هنا يبدأ مع العام ١٩٩٧ ميلادية ، والمكان بطبيعة الحال هو منطقة الخليج 

لماذا قوس قزح الصحراء ؟
هل تكفي الإجابة بأن ظهور قوس قزح مرتبط بهطول الأمطار رغم أنه يتمثل في عدة أوجه ويتم الترميز به في العديد من المهرجانات والاحتفالات فقد اعتمدت ألوان الطيف في صورة راية للسلام يتظاهر بها المتظاهرون وتأثر بها العديد من مصممي الإعلانات   لجملة من المنتجات لعل أشهرها منتجات البويات والألوان والأقمشة بل إن كلمة قزح نفسها اختلف عليها الناس حتى قالوا إنها ترمز للشيطان 



هل نحن أمام عمل يمكن وصفه حتى يمكننا تلمس محتواه ؟ إنها مهمة شاقة لأن كل فنان منا يميل للعمل الذي يراه قريباً من أسلوبه ومن ثقافته وفهمه فقد يقول قائل إنه أمام مشروع إبداعي صادم وقوي يبرهن على عمق الفكرة وسلامة الطرح ، وقد يقول آخر إنه أمام بعض المساحات الخالية من أي معنى اللهم إلا بعض الأسلاك والترانزسستورات والكرتون ولا أجد سوى العبث فأين النور والظل والأشكال التي درسناها .. ومن هنا تظهر جليا فكرة الانحياز لما نحب و عداء ما نجهل  وقبل أن نحاكم الفنان على حساب العمل الفني نؤكد على أن لكل أسلوب أو نمط حديث كان أو كلاسيكي مفردات وأصول ومنهج ، وقبل أن نتلمس مفاتيح القراءة للأعمال نرى أن الفنان عبد الله ينتهج في هذا المعرض مشروع الفكرة الواحدة والمتعددة المشاهد مثل أعمال الفنان الموسى في معرضه الأخير ( الله أكبر ) والذي كان نتاج أربع سنوات وعدد أعمال المعرض تجاوز الــ ١٢٠ عملا ، ومشروع سابق للفنان الحجيلان وإن كان عدد الأعمال أقل في معرضين منفصلين هما ( مد ) و ( أسطورة الريح ) وهناك العديد من التجارب العربية مثل تجربة المصري صلاح طاهر في تجربته الكثيرة العدد بل والقياسية تحت عنوان ( هو ) والكثير من التجارب التي يتبناها الفنان والتي قد يقع تحت سطوتها وقد نرى ذلك جليا في بعض أعمال إبراهيم بوقس وفايز أبو هريس وغيرهم وإن تعددت المعالجات اللونية والشكلية إلا أن ذلك يختصر القراءة الدلالية والنقدية بشكل خاص . للمشروع الذي يحمل نمط التجريد استخدم فيه الفنان أسلوب القص واللصق ( الكولاج ) وحلول المساحات بألوان الأكليرك وعوامل ربط ببعض المكونات لخامات متنوعة والتي سوف نتناول كل منها بتنويه وإيجاز للتعريف على دلالات تلك المضامين دون الكشف الكامل لستر الأعمال التي أرادها الفنان أن تشف ولا تبوح ولكنها تعكس التهويل الكبير لما تم أو الأسباب التي أدت لتضخيم تلك الأشياء مما أدى لظهور قوس قزح الذي يعلن عن هطول المطر ولكن المطر الذي أتى لم يكن أي مطر كان دمار لوث ذهب الصحراء الساكن والذي يتنفس الهدوء .
من هنا وجدت أنه من الممكن تناول الأعمال هنا خلال محورين
المحور الأول هو جملة الرموز والكتابات والأشكال ومنها :
ـ علامة X وتلك العلامة ذات دلالة مباشرة في الحوار البصري وحتى التعبير النصي لأنها تدل على وجود الخطأ .
ـ شكل المربع والمستطيل []  وتلك العلامة تسمح بالتأويل والتعدد في الدلالة فمن الممكن أن تكون صورة أو موقع أو بيت ، نافذة ، حيز ، صفحة في كتاب  ................ إلخ وهي بالتالي دليل إستشكالي .
ـ علامة القوس ( ولكن من الجزء العلوي في اللوحة وقد يظهر هذا القوس بكثافة اللون الأسود ، وفي حالات أخرى يفتت أطرافه وقد يلجأ لوجوده محفورا خلال الكرتون داخل عالمه المنظور ، والقوس هنا هو العلامة الفارقة ، والدلالة الأكبر التي اعتمدها الفنان لمشروعه .
ـ علامة الصليب والدائرة .. هي في غالب الأمر علامة التصويب نحو الهدف يعتمدها العسكريين في أعمالهم الدفاعية أو الحربية ، وفي حالات كثيرة ترمز للتقاطعات في الميادين .
ـ القوس وبعض الخطوط المستقيمة والمثلث وغير ذلك مما قد يضبط ايقاع اللوحة
ـ وأخيرا الكتابة بحروف لاتينية لقوس قزح الصحراء
المحور الثاني هو مجموعة الخامات المستخدمة لإنتاج اللوحات ومنها :
١ ـ الكارتون المضلع
هو عنصر متلازم وأساسي في المشروع للتكوينات والملامس والإحساس بالتموج والتعرج وكذلك ترك قطع منها خام كما هي معتمدا لونها كوسيط داخل مساحة العمل
٢ ـ الورق المطبوع 
من ورق الصحف وأوراق التغليف والتي تساهم بشكل أو آخر في خلق مساحات وتأثيرات شكلية ولونية
٣ ـ الخيش
كان هذا العنصر وسيط جيد للعمل الفني سواء للكتابة أو إمتصاص كثافة اللون وتوزيعها بين المساحات مما يساعد على التوزيع اللوني بشكل يخدم العمل
٤ ـ صور مكررة من المأذنة الملوية ( مأذنة ابن طولون )
المأذنة الملوية جاءت بموافقة وترتيب الفنان لتحديد المكان وهو العراق 
٥ ـ صورة مكررة لتمثال من الحضارة البابلية الأشورية
٦ ـ الترانزسستورات 
وهنا يقدم الفنان هذه الرمزية من خلال تكنولوجيا العصر الذي يرى من خلالها أن تلك التقنيات العالية والجيدة ربما كانت سيف ذو حدين ناحية منها تقوم على خدمة البشرية والناحية الأخرى قد تستخدم نفس التقنيات كسلاح دمار شامل
٧ ـ قصاصات لصور الصحراء
الصور هنا بمثابة الرابط الأهم لقوس قزح الصحراء و تتشابه الصحراء في شمال أفريقيا مع صحراء نيفادا وصحراء الجزيرة العربية خلال الكثبان والتلال 
٨ ـ يوجد أيضاً بعض الأسلاك والمعاجين والغراء إلى آخر تلك الوسائل التي تخدم فكرة الفنان
نخلص من هذا كله أن المعرض يحمل أعمال تجريدية ذات مساحات وإشارات أراد بها الفنان توجيه المتلقي لحجم الكارثة التي طالت تلك المساحة من العالم مع التهويل من مخاطر التكنولوجيا وأن تلك التكنولوجيا هي سلاح ذو حدين بل هي التي حققت الفرصة خلال الأزمة للحديث عن وجود سلاح الدمار الشامل الذي طال الزرع والحرث والموروث ولو سلمنا لتلك المشاهد من أنها من طبائع الأمور وأنها نتائج النزاع في المنطقة فسوف يتحرك قوس قزح لمكان آخر غير الصحراء وسوف يكون هناك أقواس قزح متعددة للمزارع والمصانع والمدن والشواطىء والحضارات وكل المساحات التي يمكن تصورها .. ولو اتخذنا أكثر الوسائل للسلامة من الانتقاد دون الحديث في خصائص العمل والخطاب الموجه وتناولناه من ناحية التشكيل فقط والنزوح إلى التجريب فإنه صوت جديد آخر بألوان ومعالجات أكثر صراحة وأكثر قوة من أعماله السابقة وأنه خاض تجربة التجريد والتجديد وننتظر بعد هذا المعرض الذي استغرق السنوات الـــــ ١٤ بجملة من الاسكتشات واللوحات والتجارب حصد خلالها الجائزة الأولى للفن السعودي المعاصر ١٦ والثالثة في الفن السعودي المعاصر الـ ١٩ ذلك بينالي الكويت ، والمشروع الفني نظن أنه عمل احتلالي يحتل عقل وفكر الفنان ويجعله أسير لحالة قد يستعصي عليه الخروج منها بسهولة إلا إذا وقع تحت تأثير مشروع آخر أكثر قوة و يمكن للفنان بعد ذلك تقديم الجديد
الذي ننتظره بعد تجربتي ( البيت العربي ) و (قوس قزح الصحراء) ولكن يبقى سؤال مهم هل نحن معشر الفنانين ننتج فنا من أجل المتعة الشخصية أم بحث عن الجمال أم تبني لفكرة ولقضية إجتماعية أو سياسية ؟ هل الفن ترف ؟ فالمهم والمدهش أن مشروعا فنيا أمتد لــ ١٤ عام بعدد من الاسكتشات والأعمال كبير كما صرح لي الفنان أن هذا المعرض ربما يحتوي على ثلث الأعمال فقط ، ومع ذلك نسأل هل قوس قزح الصحراء ترك أثراً ؟ هل قدم جديد في التجريب العربي وقدم أضافة ما كل تلك الأسئلة تطرح نفسها لأن الزمن يمضي على البعض منا ولا يدري هل ترك أثر ما ؟ هل قوس قزح الصحراء مشروع فني إجتماعي أم سياسي تضامني .. قوس قزح الصحراء جاء ليشتبك مع معنوياتك وحالات الفقد ان الذي حدث في العراق والكويت والصومال والسودان وفلسطين ولبنان تزرع الغصة في الحلق والمرارة في القلب .. هنا اكتفي  مع جزيل الشكر  والتقدير للجميع وبالله التوفيق .


حصرياً للمدونة

هناك تعليق واحد: