الخميس، 30 يوليو 2020

كوميديا الموز وتراجيديا الفن










كوميديا الموز وتراجيديا الفن

راضي جودة ـ مصر

عندما يصور الفن انزلاق قدم شخص ما على قشرة موز ملقاة على الأرض مشهدا كوميديا للتهريج كما هو شائع في كثير من مشاهد و مقاطع متداولة ، تصبح قشرة الموز بطلة الموقف ، فهل نرى أن كل مايقدم لنا اليوم يسير بإتجاه الكوميديا بالفعل الصادم ، وكيف يقع اللوم على الفنان الإيطالي ماوريتسيو كاتلان الذي  وضع موزة كاملة أو ثلاث في صالة آرت بازل بميامي للمعارض طالما أن الموز أصبح دلالة شكلية وفنية للكوميديا والفن المشاغب (الكاريكاتير) ، كما لا نستغرب حينما نرى أن الفنان الهولاندي ستيفان بروشي المقيم بمدينة روتردام يتخذ من الرسم على الموز ـ كوسيط فني ـ لصناعة قصص ومواكبة الأحداث والمعارض التجارية ، وكذلك أقامة ورش عمل للتعريف بفن الرسم على الموز  

وحينما يستهجن بعض النقاد والفنانين هذا العمل المستفز بالمفهوم الفني للفن المعاصر الذي ينتج مجرد شكل بلا محتوى وبلا معنى وأصبح واقع ومحطة من محطات تاريخ الفن التشكيلي ، وقد حدث في مطلع الثلاثينيات ما هو أغرب عندما عرض فنان إيطالي آخر غائطه بعد وضعه داخل علبة بيعت بمثل وزنها ذهبا ، هل التقييم المادي والتسعيرة المعلنة جعلت الموضوع يخرج من حلقة الكوميديا إلى التراجيديا في وسط فني عالمي يعاني الكساد وضعف التسويق ، بينما نرى بالمقابل من ينظر للموضوع بشكل مختلف بعيدا عن نقد الآخر إلى نقد الذات وننظر لما نقدم نحن للفن ، وهذا ما كتبه فنان النحت الأكاديمي المصري د . رمضان عبد المعتمد عن رأي فيما يحدث : « لا اجد غضاضة فيما حدث ، بل احيي هذا الفنان الذى أقنع المقتنى ولثالث مرة على التوالي ليقتنى عمل صابع الموز بثمن مائة وعشرون ألف دولار ، ربما يؤسس لمنهجية الإيحاء التى ينتهجها العديد من مدراء قاعات العرض ، فلا تسخروا منه ولا تعلقوا على المقتنى ولا على جهة العرض ، فجميعهم واعى ومدرك ماذا يفعل ، وان هذا الشأن يحدث في الوسط الفني المصرى والعربى ، ولكنكم كما تقولون تحبون نقد الآخرين ولا تحبون نقد الذات ، فقط انظروا جيداً اولا فيما تقدمون ، وانظروا أيضا فيما نراه مروجا له فى قاعات العرض المصرية والعربية وانتم ستجدون الاكثر من ذلك فداحة وأقل قدرا ، فتعددت الصور لكن المشهد واحداً، مشهد العبث ، مشهد صناعة النجم المزيف ، مشهد الخائنين لمفهوم ودلالات الفن الحقيقي فقط نقد الذات اولاً » ، ولكن الأمر لا يقف عند هذه الحالة التي نعرض لها من مفهوم كوميديا الموز، بل هناك جوانب أخرى فنية وإجتماعية ونقدية تناولها الفنان الأكاديمي السعودي د. عصام عسيري في مقال له بصحيفة الرياض تحت عنوان  ـ موزة ماريزيو الشقية ـ حيث حدد رأيه الشخصي في المسألة بالقول : « في رأيي الشخصي ، أن الحدث ككل هو شيء صحي في عالم الفن والفكر والإنسان ؛ فشقاوة الموزة أثارت كل ما يتعلق بسوق الفن وغرائبه فرصه وحظوظه، وإحباط الفنانين الجادين عبر العصور من لم يحالفهم الحظ، عندما يقدّم خلاصة عمره في قطعة فن من روحه، في مجتمع لا يُقدّر فنه وعطائه، بعضهم حرق ومزّق أعماله، لا يجد أحد يستحقها ويستحق ألمه وتفكيره وعذابه ومحاولاته وخطأه وتطوره »، و من هنا نعود للمفهوم الفني للفن المعاصر وتبنيه لموضوعات يعتبرها البعض صادمة ، وتعتمد الدعاية ولفت الإنتباه كما فعلها بانسكي في لوحته قرود في البرلمان وكذلك لوحته المشهورة التي تتلف نفسها بعد بيعها .

هل موضوع الموز فنيا كان ساذجا وسطحيا ؟

هل دخل الموز على خط السياسة ؟ 

هل مازالت قشرة الموز التي تسبب الانزلاقات خامة كوميدية جيدة للمسرح والسينما ؟

الموز كان له حضور سياسي داخل خطاب زعيمة حزب الاشتراكيين الألمان أندريا نالس ردا على السفير الأمريكي في لقاؤه برؤساء مجالس إدارات كبرى شركات السيارات الألمانية لبحث الغاء الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب وقالت أن ألمانيا ليست جمهورية موز وهي إشارة ربما لبعض الدول بأمريكا الجنوبية .

في الدراما السورية في مسلسل ـ الخربة ـ عن ريف السويداء تتحول عبارة (الموز ولا البازيلا) إلى هتافات مشفرة للإعتراض وطلب الحرية ، وفي مصر تتحول عبارة (بابا جاب موز) إلى صفحات للتنكيت والتبكيت على الفيس بوك إلى جانب مسرحية كوميدية من تأليف أحمد الإبياري واخراج أشرف زكي عن تاجر موز له أربعة أبناء ، توافيه المنية لتشب بينهم الخلافات والصراعات المتعددة .

وبدأت قشرة الموز تشكل خطرا على النظافة العامة وحياة الناس في أمريكا كما يوضح كتاب ـ الموز: مصير الثمرة التي غيرت العالمـ  لدان كوبيل ، 

  وزعمت عدة مصادر أن قشور الموز كانت مسؤولة عن الأطراف المكسورة ، بما في ذلك بعض التي تم كسرها بشدة حتى أنه كان لابد من بترها. وأصبحت هذه القضية في المدن الأمريكية في عام ١٩٠٩ ، حظر مجلس مدينة سانت لويس "رمي أو وضع" قشر الموز في الأماكن العام ، ولكن معظم السينمائيين وصناع الكوميديا اعتمدوا في أداء المواقف المضحكة على الإنزلاق من خلال قشرة الموز ، ومنهم باستر كيتون ، وهارولد لويد ، وتشارلي شابلن مما يفتح المجال للبحث عن ذلك في موضوعات تعددت منذ الإنطلاقة الأولى مع الكوميديا وأفلام الأبيض والأسود ، وقد عززت فترة الأفلام الصامتة الامكانيات الكوميدية لقشرة الموز في صناعة والكوميديا ،رغم ندرة وجود قشرة موز الآن على الأرصفة في شوارع نيويورك مثلا ، 

ويعلم المزارعين والمتخصصين بالعلوم الزراعية أن الموز فاكهة معمرة ولها خصائص وفوائد غذائية كبيرة ، كما أنه نبات عشبي وليس شجري وإن ساقه هي ساق كاذبة ، ويقال أن كلمة موز تعود لأصول هندية ، حيث كان يسمى عندهم بطعام الفلاسفة ، أما في اللغات الأجنبية فيسمى (بنانة) عن لغة الولوفية التي كانت تستخدم قديما في أفريقيا ، أما أغلب الظن أنها مشتقة من اللغة العربية ، فالعرب قديما يطلقون على أصبع الموز بنان الموز وذلك للشبه الكبير مع أصابع اليد وتم تحريفها في الغرب من بنان إلى بنانة  .

وأظن أنه من الواجب التنبيه لعملية الخلط بين شيئين وعدم التفريق بينهما في موضوع ـ موزة ماوريتسيو كاتلان ـ هو العمل الفني كجسم للتأمل واطلاق الفكرة ، والثاني هو عملية البيع بشكلها المثير والمستفز ، عملية الخلط التي تمت جعلت الأمر أكثر تعقيدا ، وإذا تم العرض فقط دون بيع لما أثار كل هذا الاستهجان فالموضوع ليس اكثر من انزلاقة على سطح أصبع موز بالكاد يساوي دولارا واحدا وليس مئة ألف ، الفنان هنا لم يتعرض لمشكلتنا نحن في أننا لم نرى العمل ولم نتأمله إلا من خلال المبلغ الكبير وتراجيديا الفن .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق