الخميس، 30 يوليو 2020

السينما تشكيل .. واللوحة فيلم وثائقي









السينما تشكيل .. واللوحة فيلم وثائقي


راضي جودة


عناوين جانبية :


ـ السينما العالمية اعتنت عناية كبيرة بصناعة الأفلام التي تتناول سيرة حياة التشكيليين واعمالهم 

ـ السينما تتفرد في تقديم الحلم بأشكال متعددة خلال صناعة صورة محكومة بقيم تشكيلية ومنهج هندسي

ـ الانماط التشكيلية من واقعية وتأثيرية وسريالية وخاصة التعبيرية تركت أثرها على السينما

ـ ليس الفن التشكيلي وحده الذي تداخل مع الفن السينمائي ولكن معظم الفنون وجدت نفسها داخل السينما




الفنان التشكيلي الذي ابدع بالمشاركة في تكوين وتشكيل وجدان الناس في كل مكان بالعالم من خلال ما ينتج من لوحات سوف يقف أمامها التاريخ الإنساني طويلا ، ويسجل بإسهاب عن مشاعر هذا الفنان الذي استطاع أن يوثق لحظات فارقة في حياة الناس ، ومنها على سبيل المثال قرية جرنيكا الإسبانية التي أغارت عليها طائرات النازية الألمانية والفاشية الإيطالية ، والوقوف على تفاصيل اللوحة التي رسمها الفنان الأسباني بابلو بيكاسو حول المأساة ، تلك المأساة التي صارت موضوعا لفيلم تسجيلي فرنسي مستعرضا اللوحة مصحوبة بقصيدة مليئة بالحيوية للشاعر بول إيلوار والفيلم من تصوير هنري فران وإخراج آلان رينيه وروبير هسن ، حيث اجتمع التشكيل والشعر والسينما ـ صاحبة المؤثرات الصوتية والبصرية ـ في كيان واحد ، ومن كلمات القصيدة :

عاد رجل كان يحمل بين ذراعيه

حملا يئن وفي قلبه حمامة

يغني من أجل البشر الآخرين

أغنية الثورة المجيدة

التي تقول للحب مرحى .. وتقول للظلم لا

تقول إن جرنيكا مثل هيروشيما .. هي عاصمة السلام الحي .

مدة الفيلم ساعة و١٣ دقيقة ، واللوحة نقلت إلى متحف الملكة صوفيا بمدريد في عام ١٩٨١م.

وقصيدة أخرى بكلمات أكثر قسوة للشاعر إيلوار أيضا تقول :

رصاص المدافع الرشاشة

يقضي على القتلى

رصاص المدافع الرشاشة

يداعب الأطفال

أسرع مما تداعبهم الريح

بالحديد والنار

حفروا الإنسان كما لو كان منجما

حفروه كما لو كان ميناء

بغير مركب

حفروه كما لو كان موقدا بغير نار .

  وهناك لوحة للفنان شاجال اسمها ( القرية ) يرسم القرية التي دمرت ونرى تفاصيلها في عين واسعة لبقرة .

كما أن السينما العالمية اعتنت عناية كبيرة بصناعة الأفلام التي تتناول سيرة حياة التشكيليين واعمالهم ، وهي أفلام كثيرة نذكر منها :

فان جوخ وجويا وبيكاسو وفريدا وسيرافين ومايكل أنجلو وغيرهم ، من خلال بعض الأفلام ( Frida, Goya’s Ghosts, Edvard Munch, Surviving Picasso, Modigliani, Lust for life ).

والعديد من التشكيليين السورياليين كانوا ينظرون للسينما بأعتبارها وسيطا مثاليا لاكتشافات بصرية وفنية ، وعوالم أخرى ، وقد قام بعضهم بمحاولات تجريبية مع الأفلام لأغراض سريالية فقد كتب بيكابيا سيناريو فيلم (استراحة) من إخراج رينيه كلير ، وسلفادور دالي شارك بونويل في كتابة وإخراج (كلب أندلسي) .

ومن أشهر التشكيليين العرب الذين مارسوا الكتابة والإخراج السينمائي .. شادي عبد السلام ، ويوسف فرنسيس ، وكمال الشناوي ، والسينما ليست عمل فني واقعي فحسب وانما اعتنت بالصورة والمجال البصري عناية خاصة جعلها تتفرد في تقديم الحلم بأشكال متعددة خلال صناعة صورة محكومة بقيم تشكيلية ومنهج هندسي مصاحب لوجهات نظر  وتجارب استحدثها ( رينوار ـ ديجيه ـ ومونيه ) وغيرهم عندما قدموا لوحات نابضة بالحياة ومتوازية في العمق والضوء والظل ، وتداخل الأجسام على أبعاد عميقة قبل السينما .

والمشاهد السينمائية قد تطورت بشكل غير عادي .. حيث تمت ترجمة بعض الأفكار التي كانت فوق مستوى التخيل ـ وهو بالقطع عمل تشكيلي ـ إلى عمل يمكن رؤيته خلال أفلام مثل حرب النجوم وأفاتار وهي أفلام بذل فيها الإخراج إبداعا تقنيا على المستوى البصري كما قلت بالاضافة لتطوير الريبوتات واعتمدت الرسم والفن الرقمي وكم هائل من التشكيلات واختلاق أبطال رقميون ليس لهم وجود في حقيقة الحياة .

والانماط التشكيلية من واقعية وتأثيرية وسريالية وخاصة التعبيرية تركت أثرها على السينما واهتمت بالمحتوى التفصيلي لخطوط المشاهد وتتابعها ولعل فيلم اخناتون لشادي عبد السلام هو احد الشواهد لتجلي الإيقاع التشكيلي على السينما .. رغم أننا نريد التأكيد على أن الفن السينمائي عندما يتعرض للفن التشكيلي قد يتم خلق فن جديد فاللوحة لايمكن تصوير تفاصيلها خاصة الواقعية وأمام السينمائيين الطبيعة الساحرة الخلاقة والمتشبعة بالابداع يأخذون منها مايشائون وقد تكون ألوان اللوحة لدى الفنان موحية وتعطي مجال أرحب للإخراج والديكور ولكنها تخالف المتخيل كما نشاهد ذلك في بعض قصص الأطفال ـ اليس والاقزام ـ وغيرها ، فالمعالجة السينمائية قد تكون متصادمة مع المتخيل داخل القصة المرسومة أو اللوحة التي تدور بها الأحداث . نعم قد ترتفع القيمة البصرية والمؤثرات الصوتية داخل العمل السينمائي وتلك مشاكل فردية بين فناني القطاعين من فكرة وأدوات .

وليس الفن التشكيلي وحده الذي تداخل مع الفن السينمائي ولكن معظم الفنون وجدت نفسها داخل السينما منها الإضاءة والديكور والموسيقى والتصوير ، ويصرح المصور السينمائي المعروف ـ لي جارس ـ أن الفنان التشكيلي رمبرانت هو المفضل لدية ، وقد درس كل أعماله وخاصة المتعلقة بتوزيع الإضاءة في بداية عمله في التصوير ، فاللوحة التي تعتني بالضوء والظل ليست فقط صورة جميلة ومبهرة لتجسيد الواقع وتحديد الزمان والمكان للواقعة أو الحدث ، ومن المعروف سينمائيا الاستعانة بفنانين تشكيليين لرسم بعض المشاهد وكادرات بعض اللقطات واستخدامها في إحداث تأثيرات درامية وهتشكوك استعان بسلفادور دالي في فيلم ـ المأخوذ ـ كما اسند إليه المخرج ريتشارد فليشر تخيل العالم الداخلي لجسم الإنسان في فيلم رحلة العجائب ، والمصري شادي عبد السلام كان يرسم المشاهد بنفسه وكذلك تصميم الملابس والاكسسوارات وهو بالاساس فنان تشكيلي .

ورغم العناية الكبيرة التي أولتها السينما العالمية في تتبع سيرة وحياة الفنانين التشكيليين ، وإظهار مجهودهم ونضالهم والمعاناة التي عاشوها في ظل بعض الحكام والأحكام والديكتتوريات والعصف المجتمعي والاضطهاد ، إلا أن السينما العربية وبعض الدول الأخرى قد خلقت صورة ساخرة عن الفنانين واعمالهم واطوارهم وسلوكيات انطبعت في أذهان العامة بالبوهيمية والنرجسية المريضة بل وبالجنون حتى وصل الأمر إلى فكر بعض الهواة والمبتدأين بل وبعض الكبار من الموهومين من انه لابد من ذلك للفت الأنظار متحججين بشارب دالي الذي يتصورون أنه وحده سبب شهرته ، تركوا الأعمال والأفكار والمشاريع الفنية الكبيرة وراحوا يبحثون في الملابس والإكسسوارات وطريقة تصفيف الشعر واللحية دون إعتبارات أخرى وهذا أيضا فعل سينمائي بامتياز يؤثر في قناعات الناس حول فن عظيم من الفنون التي توثق لتراث الأمم وتاريخها ، ويأخذني العجب أيضا من السينما العربية التي لم تهتم بقانا ولا بحر البقر ولا الرقة ولا كل المدن التي أبيدت بفعل فاعل والأطفال الذي قتلوا أو أغرقوا (الدرة .. ليان .. عمران ) أو منن تقطعت اشلائهم ومن اختطفوا ليتحولوا إلى قطع غيار آدمية في سوق الإتجار بالبشر ، السينما لا تتقصى وراء اطفال الشوارع والمشردين والباحثين عن مأوى إلا قليلا ، دور السينما ودور الفنان التشكيلي من الأهمية بمكان أن يظهر تلك الأمور كلها والبحث عن حلول ترتقي بالإنسان والإنسانية .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق