الخميس، 31 مايو 2018

فرسان الفن .. الحلقة الثانية / فرا أنجيليكو ١٣٨٧ ـ ١٤٤٥م





قراءة في كتاب فرسان الفن حول قصص حياة الرسامين الإيطاليين 
للمؤلفة إيمي ستيدمان
قراءة / راضي جودة

فرا أنجيليكو ١٣٨٧ ـ ١٤٤٥م
بعد مرور مائة عام على ميلاد جيوتو وفي نفس التلال والريف الجميل الذي يمكنك من خلال حصر وإحصاء النجوم بالسماء ولد الرسام الشهير فرا أنجيليكو والذي كان معروفا في صباه باسم جايدو ، ولد في قريته القريبة من قرية جيوتو ولم يكن فرا انجيليكو فقيرا ولا يحتاج للعمل في الحقل أو رعي الأغنام ، وكان من الممكن حصوله على الجاه والمال لموهبته بالرسم لولا إلتحاقه بدير في فيسول وهو شاب في العشرين من عمره ليصبح راهباَ في خدمة سانت دومينيك ومن هنا تغير اسمه وأصبح معروفا بـ فرا أنجيليكو أو الأخ الملائكي وودع الحياة بمباهجها الدنيوية واندمج في حياة رهبان سانت دومينيك وهم أشهر المبشرين أنذاك غير أن انحناء الشاب (فرا) أمام كتب الصلوات لم يجعله مثل هؤلاء المبشرين كلام يكترث به البعض ثم يمضي ولكن رسوماته كانت أهم من وعظهم ، وكان هناك صراع في إيطاليا بين الجماعات الدينية ، اضطرت معه فرقة التبشير إلى ترك موطنها في فيسول للبحث عن مأوى آخر وكانت فرصة للرسام الشاب للتجول في المدن ذات التلال وعلمته العديد من الدروس ، ومع فجر كل يوم يخرج من الدير ممتطيا حماره صاعدا بين اشجار الزيتون حتى يصل إلى سانت فرنسيس والتابعين لها في زيهم البني يستقبلونه مسرورين مع أن رداءه الأسود يوضح أنه يخص طائفة أخرى ولا يمنع من دخوله كنيستهم التي غطاها جيوتو بصوره الرائعة .
مرت سنوات عدة قبل ان يسمح لهم بالعودة إلى موطنهم بدير سان دومينيك في فيسول ولكن رسوماته في تلك الفترة لم يستطيع أحد حصرها، ولكن سرعان ما بدأ الهمس خارج جدران الدير بشهرة الرسام حتى وصلت لآذان ـ كوزيمو دي ميديسي ـ أحد الحكام الأقوياء في فلورنسا وقد دعاه ليرسم الجدران بالجص في دير سان ماركو .
وامتلأت الجدران بلوحات الراهب الفنان الوديع الدائم الإبتسام الذي عشق رسم صور من حياة المسيح ، هذا الرسام الذي لم يبحث عن الشهرة أو القوة وحينما دعاه البابا إلى روما لكي يرسم جدران الكنيسة لم يعبأ بالمجد والشرف أكثر من لو دُعى ليرسم صومعة في سان ماركو ، والذي كان له موقف يحسب له ، وذلك عندما رأى البابا صنيعه استدعاه إليه وقال له :
ـ الرجل الذي يستطيع أن يرسم هذه الصور لابد وأن يكون رجلا صالحا وسيفعل كل ما يعهد به إليه ، هل تؤدي لي عملا آخر من أجلي وتصبح مطرانا في فلورنسا ؟
فكان رده : أنه لا يمكنه أن يعلم أو يبشر أو يحكم ! ولكنه أخبر البابا عن راهب متواضع وصديق له (فرا أنتونيو) فأخذ البابا بنصيحة الرسام وكان الختيار صالحا وحكيما .

مات فرا انجيليكو بينما كان يواصل عمله في روما ودفن بها بعيدا عن محبوبته فلورنسا .

الأربعاء، 30 مايو 2018

فرسان الفن .. الحلقة الأولى / جيوتو ١٢٦٧ ـ ١٣٣٧م

قراءة في كتاب فرسان الفن حول قصص حياة الرسامين الإيطاليين 
للمؤلفة إيمي ستيدمان
قراءة / راضي جودة
الحلقة الأولى









جيوتو ١٢٦٧ ـ ١٣٣٧م
في الريف الإيطالي الجميل بالقرب من مدينة فلورنسا ولد لــ بوندون طفلا أسماه جيوتو .. الذي نشأ على رعي الأغنام وخشونة الحياة الريفية ، لم تتوفر له أماكن للدراسة ، ولم يعرف معنى امتلاك قلم رصاص أو ألوان ، ومع ذلك استطاع بما لديه من شغف التأمل ورسم كل ما يراه خاصة حركات أغنامه ، والنباتات والأزهار والسحب ، فاستعان على تنفيذ رغبته بقطعة من الأحجار على صخرة ملساء ، لكن القدر كان يكتب سطرا جديدا في حياته في مصادفة عجيبة حيث كان يمر الرسام الأشهر سيمابو cimabue بالمكان في محاولة لرسم جزء من الطبيعة الخلابة للريف ، ووقع بصره على هذا الفتى التي لفحته الشمس ولكن لم تفارقه الابتسامة ولمعة العين اليقظة ، فلما شاهد رسومات وخربشات الصبي فوق الصخرة الملساء ، واكتشف بخبرته موهبته .. سأله إن كان يحب أن يتعلم الرسم في فلورنسا .
وسافر الصبي مع الفنان بعد موافقة والده الذي يعلم ان مثل تلك الفرص لا تتكرر ، كان المكان شيئا ما يشبه الورشة ، وكان الأطفال و الصبية الذين ذهبوا ليتعلموا الرسم والتلوين .. يتعلمون أولا كيف يسحقون الألوان ويعدونها وليس مسموح لهم استخدام الفرشاة حتى يأتي دورهم بعد مراقبة لاساتذتهم . فلما حان الوقت وبدأ يرسم جيوتو أبهر الجميع فلم يرسم وجوه جامدة وانما كانت الحيوية والجمال فيما قام برسمه كما قام بالرسم على الرخام ، واحب جيوتو الحيوانات واهتم برسمها ، وكانت الصور التي رسمها بالجص هي صانعة البهجة للجمهور الذي لم يكن يتوفر له الكتب  ، ولم تكن اعماله في مدينة فلورنسا و حدها ولكن امتدت لمدن أخرى واتسعت شهرته وإن كانت المدن الإيطالية في حياته تعيش صراع وحروب وقلاقل مما حدد البعض منهم علاقته بالآخر على حساب هذا الإقتتال غير أن جيوتو عاش بينهم فنانا ليس له علاقة بتلك العداوات ، وراح يرسم بالجص اسقف الكنائس في كثير من المدن ، والشاعر الكبير دانتي لم يستنكف ان يكون صديقا لهذا الرسام الريفي .

ومن الطرائف التي تذكر للفنان جيوتو انه لما ذهب وفد البابا لأخذ عينة من أعماله لم يقدم لهم سوى دائرة على شكل حرف (o) وكانوا غير مقتنعين ان يحمل ذلك لقداسته ولكنهم لم يحصلوا من جيوتو على غير ذلك ، وذلك الحرف المستدير بإتقان هو الذي هيئه لرسم الكنائس والذي زاع صيته وأصبح هذا الحرف وهذا الشكل مثال يحتذى للإنضباط ، ومما كان معروفا عن الرسام جيوتو هو سرعة البديهة وحبه للدعابة .

الثلاثاء، 29 مايو 2018

ما الذنب الذي اقترفته الفنون ؟

ما الذنب الذي اقترفته الفنون ؟
قراءة في كتاب فرسان الفن حول قصص حياة الرسامين الإيطاليين
راضي جودة


في مقدمة كتاب ( فرسان الفن ) حول قصص حياة الرسامين الإيطاليين
يكتب المترجم ـ الحسين خضيري ـ نقلا عن كلام المؤلفة إيمي ستيدمان : ما الذي فعله ليوناردو كي يداهم جنود الإحتلال الفرنسي إيطاليا ويحيلوا أعماله التي أنفق فيها عمره إلى أطلال ؟
وكيف أنهم عاثوا فساداً وحطموا في ساعات تمثالاً استمر العمل فيه لنحو ستة عشر عاماً ؟.
ويشوهون الجدران التي رسمها في لهو غير بريء ؟
أما الرهبان فقد دمروا بجهلهم الجدران التي رسمها ، وأقاموا باباً في وسط الجدار المرسوم !
وكيف كان مايكل أنجلو قامة فنية إبداعية لا تبارى ، وأن هذا المثال العظيم رضخ لأمر البابا ، ورسم سقف كنيسة سستين ، وكم تحمل من المشاق سنين عدة .. ويرقد منبطحاً على سقالة خشبية ، ويرسم السقف مع أن مجرد النظر إليه لمدة عشر دقائق كفيل بأن يؤلم رأسك ورقبتك ؟ 

وانت عندما تشرع في الكتابة عن حياة فنان وتحاول سليط الضوء على جزء من المتاعب التي تعرض لها ، فأنت تحفر خندقا يؤدي بك إلى سراديب تتشعب بك وتغوص معها في مناطق ينعدم فيها مرور الهواء النقي وحتما سوف تشعر بالإختناق ، بإختصار لعلك تحفر لنفسك قبرا .

لقد عشت مع الكتابة وشرعت في كتابة ما بين السطور التي توحي للفنان ولا تبوح ولقد شعرت بروح هؤلاء الكبار حولي وانا اتصفح أيام حياتهم في عجالة .. فقط المشاهد الحقيقية التي في الغالب تكون أكثر صدقا من وصف خارج من صميم نص تمت ترجمته ففقد الكثير من زمانه وبيئته ولحظات طزاجته .
..........................................................................
سوف اتابع قصص الفنانين هنا في المدونة على حلقات .. فإلى ( الحلقة الأولى ) القادمة .