السبت، 1 أغسطس 2020

التشكيليون يقاومون الجائحة بألوانهم




















التشكيليون يقاومون الجائحة بألوانهم 

راضي جودة



إن متابعة أخبار الجائحة التي اجتاحت العالم ، وخلفت ورائها أعداد من المصابين والمفقودين تتصاعد بشكل متسارع وسط مجتمعات تعيش الحياة بشكل اعتيادي ، ويحدوها الأمل في استكمال بعض المشاريع وتحقيق بعض الآمال والطموحات ، لكن داهمهم خطر يهدد أحلامهم لم يسبق له مثيل لجيل كامل ، لم يتعرض هذا الجيل أو يعيش لحظات الرعب لحوادث مماثلة في السابق ، كالطاعون والتيفود والجدري ، وربما كان لا يكترث بما يدور حول أنفلونزا الطيور والخنازير وجنون البقر والتي تحولت أخبارها في كثير من الأحوال لحالة من السخرية ، ولكن ثقافة المجتمعات بدأت التفاعل فيما يدور ، وسرعان ما تحولت إلى اتباع تعليمات الحجر الصحي وحظر التجوال واحتياطات السلامة لمنع انتشار فيروس كورونا المستجد .

ثقافة جديدة تشكلت على خارطة الأحداث اليومية للمجتمعات حول العالم ، وظهور عالمي يتصدر المشاهد أمام الكاميرات والقنوات الفضائية للكمامات والقفازات ووسائل الوقاية الصحية، نتيجة لحسابات تعليمات وزارة الصحة واهتمام الحكومات من توفير سبل السلامة والعلاج والحد من الإصابات .

وعلى الجانب الآخر من المشهد ومع التضحيات التي يقوم بها منسوبي الهيئات الطبية والأمنية والدفاعية ، وكذلك الحرص على توفير السلع الغذائية والمنظفات ووسائل التعقيم ، كان على الجانب الآخر من المشهد تحرك رائع من المثقفين والأدباء والفنانين والإعلاميين كل من مكانه لتسخير ما يملك من أدوات وتقنيات ظهرت على وسائل التواصل الإجتماعي خاصة الفيسبوك واليوتيوب والبودكاست والانستجرام العديد من الأنشطة والفعاليات تساند جهود الدول والحكومات حيث تجلى هذا الأمر بشكل رائع على الجانب التشكيلي السعودي الفردي أو الجمعي من خلال تفعيل دور الجمعية السعودية للفن التشكيلي (جسفت) والتي اطلقت العديد من المبادرات منها :

#ابدع ـ مع ـ جسفت ـ من ـ بيتك .

# كلنا ـ مسؤول .

# خليك ـ في ـ البيت .

# رواق ـ جسفت .

# جسفت ـ مع ـ الوطن .

# الفن ـ في ـ زمن ـ الكورونا .

ودعت إلى تلك الفعاليات د، منال الرويشد مديرة النشاط الفني والمهني بوزارة التعليم ، ورئيس مجلس إدارة الجمعية ، وزميلتها د. هناء راشد الشبلي ‏‏‏‏‏‏‏مديرة إدارة التخطيط بالجمعية السعودية للفنون التشكيلية (جسفت) ، وذلك بالإعلان من خلال صفحة ورابط الجمعية ، أو برسائل عبر الواتس آب للفنانين ، مع الإشراف والمتابعة لسير العمل في تلك الأنشطة منذ البداية لإنجاح المبادرات والتي توجت بمسابقة عن بعد (رب أجعل هذا البلد آمنا) ، والتي فاز فيها كل من الفنانين ، علي النجمي ، وطرفة العجلان ، وعبد الرحمن بابكر ، وكذلك بادرت فروع الجمعية المنتشرة في مناطق المملكة بتبني المبادران والمسابقات ومنها : (مسابقة كمامات الفنانين) لفرع الجمعية بعسير كما كانت هناك أمسيات ولقاءات وحوارات عن بعد ، ومنها ـ رواق جسفت ـ بمشاركة عدد من الرموز في الفن التشكيلي والثقافة والإعلام لإبراز " دور الفن التشكيلي في الوضع الراهن " في مواجهة المملكة لكورونا برعاية كريمة من د.إحمد الطويل وإدارة متميزة للناقد الإعلامي الأستاذ يحيى زريقان ومشاركة متحدثين ورسامين ، و(جسفت) برعايتها لتلك الأنشطة قد منحت فرصة كبيرة للمواهب الشابة لعرض اعمالهم والنقاش حولها واكتساب مهارات وخبرات .

وبينما كان الجميع يعيش حالة التأثر بالعزل الإجتماعي ، وإلغاء أو تعليق الأحداث المباشرة في المعارض الفنية التي عادة ما يكون هذا الموسم مزدحمًا بالأحداث الفنية ، وقد تم إلغاء أحداث مثل معرض الكتاب بالرياض ، ومهرجان جدة الأول للأفلام ، ومعرض آرت دبي ، أو تأجيلها أو إعادة تنسيقها على عجل كأحداث رقمية فقط ، نرى الفنانين يبادرون بأعمال تأملية تساير الحدث بشكل يتناسق مع خدمة المجتمع والتوعية بخطر تجاوز تعليمات الحجر ، وإثبات دور الفنان التشكيلي في نشر ثقافة الأمن الفكري والصحي كمتغيرات نفسية وعلاقتها بالمتغير الخارجي ، وتوظيف أعماله الفنية لإسعادالناس من خلال الأعمال التي تنشر الخير والحق والسلام ، وكانت هناك رسائل شبه يومية يقدمها معظم الفنانين ـ كبيرهم وصغيرهم ـ عن ممارستهم لحياتهم الفنية بشكل طبيعي من خلال مراسمهم ومنازلهم ومنهم على سبيل المثال الفنان النحات طلال الطخيس الذي بادر بدعم أخوانه أبطال وزارة الصحة بإختيار السماعة الطبية ويتمحور حولها عمله النحتي لفكرة الكفاح من أجل حفظ الوطن والمواطن ، وكذلك الفنانة هدى العمر في تجسيد دور المرأة في التصدي لقتال هذا الوباء من خلال لوحات زيتية معبرة ، والفنان ضياء عزيز ولوحته التي حملت الوجوه الضارعة لله عزل وجل ليرفع عنا هذا الهم وهذا الوباء والبلاء ، ولا ننسى المبادرة التي قامت بها الفنانة مها الكافي التي وجدت نفسها أمام فرصة عظيمة لرسم بورتريهات لشخصيات سعودية ثقافية وفنية بارزة ، كما شهدت عودة للفنان سليمان الحلوة لنشاطه الفني ، تلك كانت مجرد أمثلة لعشرات التجارب الجميلة التي لن ينساها التاريخ لهؤلاء الرائعين ، كما كانت هناك شراكة كبيرة تحت شعار (كلنا مسؤول) مع وزارة الثقافة ، ووزارة الإعلام ، ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية ، ومؤسسات المجتمع المدني والجاليرهات والأندية الأدبية في تفعيل أنشطة وفعاليات فنية رائعة .

ولعلنا نطرق لسؤال بعد هذا الطرح السريع والرصد لمجريات الفعل الفني التشكيلي لمواجهة خطر كورونا .. عن مدى استجابة الفنانين العرب ورموزهم للخروج من تلك الأزمة ؟ 

فلقد بادر الفنانين التشكيليين ورسامي الكاريكاتير ومصممي الإعلانات والرسوم المتحركة ، والمجموعات الفنية على وسائل التواصل الإجتماعي لخلق فضاء الكتروني ملون ومتعدد الاتجاهات في اعلان جمعي للمشاركة كقوة ناعمة إلى جوار الأطباء والصيادلة والتمريض في مكافحة هذه الجائحة ، ففي سلطنة عمان نشاهد ـ تو..واصل ـ مسلسل كرتوني عماني يسلط الضوء بأسلوب ساخر على قضايا من المجتمع ومنها : تو.. واصل (خليك بالبيت)

وكذلك فنانين تشكيليين من معظم الدول العربية قدموا اعمال ومبادرات في نفس السياق وقد توحدت المشاعر وصار الهم واحد ، ومن تلك المبادرات :

المعرض الإلكتروني الأول

معرض عشتار الدولي الإلكتروني

معرض لوحة فنان الإلكتروني

ملتقى شادو الدولي الالكتروني

من أجل الكويت ارسم بالبيت

كما استقبل الفضاء الالكتروني ورش تدريب فنية وإعلامية

ربما كان دافع كل هؤلاء نابع من تساؤل عما إذا كانت حياتهم المهنية قادرة على التعامل مع هذه الحالة وتلك اللحظة الفارقة ، وإيجاد المحفز والدافع للعمل والإنتاج في ظل تحدي غياب أحداث قادمة غير محددة الملامح وفي ظل تغيير قادم بشكل ملموس ، إن الفنان التشكيلي كائن استشرافي رغم موائمة حياته مع كل عصر وكل جديد لكنه أيضا يحسب بدقة متناهية حسابات القادم فما بالك إذا كان القادم هذا مجهولا بشكل مطلق .

لقد كان للتطور التقني في فضاء الإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعي الدور الكبير في تحفيز المشاعر ضد هذا القاتل الخفي  ، وربما خلقت بعض مشاعر الفزع والرهبة لدى البعض منا ونحن بشر نتأثر بما يحيط مجتمعاتنا ، غير أن التقنية ذاتها ساندت الجهود المبذولة من الجهات المعنية وأصحاب القرار لوضع الخطط والمناهج والبروتوكولات التي تحد من زحف هذه الجائحة ، كما خلقت بعض المؤسسات والمعارض فرصًا جديدة لمشاهدة المعارض، وتحويل مواقعها الإلكترونية إلى منصات عرض عبر الإنترنت. بإضافة بعض وسائل الترفيه والمتعة الضرورية، انتقل معرض السركال أفينو، بحي المعرض الفني الرئيسي في دبي، ليقيم أسبوع المعرض الفني على الإنترنت، معلنًا عن منصة جديدة تحتوي على بيان حاد اللهجة بوجوب إستمرار العرض على الإنترنت لتقديم منصة لمشاهدة السركال أونلاين . يتيح الموقع للزوار استكشاف صالات العرض والمعارض الجديدة التي تم تنظيمها لافتتاحها قبل آرت دبي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق