الأربعاء، 21 نوفمبر 2018

ذات مساء

الفنانة منى عمر وألوان من الطبيعة
الأديبة الفنانة مني عمر تعشق الفن وتبحث عن منابعه اينما وجدت تلك المنابع ، وهي بطبيعتها ناشطة اجتماعية تتواصل مع الجميع بوجه بشوش رحب تعلوه ابتسامة ترسم ملامح بنت البلد طيبة القلب ، وفي معرضها التشكيلي بقصر التذوق ( سيدي جابر ) بالاسكندرية تحت عنوان ـ الوان من الطبيعة ـ وهو الدلالة الأولى أو مفتاح شخصية الفنانة الأديبة أو الأديبة التي طرقت بابا آخر من أبواب التعبير ، لأن الوان من الطبيعة يمكن أن يكون عنوانا لكتاب لمهرجان لبرنامج تلفزيوني بمعنى ، أنها بالأصل كائن تعبيري تأخذ بالاسباب لتوصيل ثقافتها وموهبتها وما تملك من ابداع .
ودون الدخول في دباجات تمهيدية أرى أن الأعمال التي أمامي من خلال صور ومع اعترافي الكامل أن الصور ليست كفيلة بنقل الاحساس كاملا إلا أن التشكيلية ( منى ) تدوس تلك الأرضية في وجل ورهبة ولا تغرق افكارها وادواتها في التفاصيل الدقيقة لمعرفتها الجيدة بمقولة : ( المشاكل تكمن في التفاصيل ) وهي مقولة إعلامية لا يؤمن بها الفنان التشكيلي الذي يعتقد أن الأناقة والجمال والإبداع كلها أشياء تكمن في التفاصيل ، تلك واحدة ولذلك جاءت بعض اللوحات تتمسك بالطيف وبالحلم دون تصريح بألوان صريحة قوية .
الملاحظة الأخرى التي أرجو من فنانتا العزيزة أن تأخذ بها في قادم الأيام أن الأنثى إن لم تكن جزء من الطبيعة فهي كل الطبيعة ، ولذلك يجب ان نعتني بتلك الأنثى وتفاصيل جمالها حتى لو اظهرتها الفنانة على انها وقفت لتصطف معنا وتشاهد المناظر الطبيعية دون ان ينتبه من يجاورها بشكلها أو ألوان ملابسها .
الحقيقة وللأمانة توقفت أمام عملين أولهاما ذلك العمل الذي يظهر جزء من سور يطل على بحر ممتد في تشكيل يحجز الرؤية عند تلك المساحة الضيقة بين القائم الاسمنتي تعلوه كرة والتحامه بالبوابة او السور ربما من الحديد أو الخشب ولكن الفنانة هنا جعلت دور البطولة لذلك القائم الأسمنتي الذي كان من الممكن أن يحمل بقايا تمثال ،



وهنا نفتح نوافذ التأويل الفني والأدبي للوحة على بساطة خطوطها .
العمل الآخر لوحة انفعالية خرجة في لحظة إنسانية خالصة وخاصة جدا لمنى عمر لأن مكونات هذا العمل ما بين قمر وأوراق وربما جملة أقلام أو أسهم تلك الأشياء هي ما اسعفتها لتجلية الحالة القائمة القاتمة والمتلقي لا يدري اهي نيازك تتساقط أم أقلام تحاول الصعود وكل تلك أوراق التي تجاور القمر أو أنها حالات انسحاب الضوء عنه منع مرور الأيام .
أخيرا وبغض النظر كما دونت هنا فإن الأديبة الفنانة منى عمر أطلقت للطائر فضاء الإنطلاق ولن يحبس بعد اليوم في قفص الرهبة وحسابات النقاد .
الفنان التشكيلي ـ الكاتب
راضي جودة

الجمعة، 9 نوفمبر 2018

العيون الواسعة .. ترسم أدلة الاتهام .


العيون الواسعة .. ترسم أدلة الاتهام .
راضي جودة
ـ بعض الذين يكتبون عن الفنان لا يعبرون بصدق عن لحظات انتظاره لميلاد اللوحة .
ـ هل ظنت مارجريت كين عندما تركت منزلها أنها هربت من الظلام إلى الضوء؟
الدرس المهم في الفيلم ألا ننساق وراء الكذب من أجل المال .

عندما ينادي القاضي على كل من (المدعي والمدعى عليه)  لا ليقول لأي منهما : اقسم .. بل ارسم !! ، وحينما تساند الموهبة صاحب الحق وتنصفه ، تلك كانت اللحظة الفاصلة التي تسترد فيها مارجريت قلبها وعيونها وفكرها ، وترفع عن كاهلها ذلك الظلم والاجحاف الذي تعرضت له ، وإن كانت ورش العمل والملتقيات في زمننا هذا تكشف زيف الفنان وإدعائه ، فإن المعارض الكبيرة والمهرجانات قد تعكس صورة مغايرة للواقع ولحقيقة الفنان الذي يراه الناس تحت الأضواء المبهرة والكاميرات والكلمات المنمقة والأزياء الثمينة ، وظهرت خلال بعض احداث الفيلم ان دافعت الفنانة عن وجودها خلال رسم لوحة كبيرة تجمع بها الأطفال المشردين وبشكل درامي حتى قوبلت اللوحة بالرفض والاستهجان من الجمهور والنقاد مما جعل الفنان المزيف ـ والتر ـ يفقد عقله ويحاول إحراق المنزل بما فيه زوجته وطفلتها ولوحاتها ، ولكنها استطاعت الفرار إلى هاواي ، نعم إن المخرج الأمريكي تيم بيرتون وهو يطلق فيلم تحت عنوانعيون كبيرة،  وكتب قصته سكوت الكسندر ولاري كاراسزويسكي ، قد وضع منهاجا جديدا للأدلة الجنائية ، وشرط من شروط التقاضي بعدم الرضوخ للشهرة ، وسلطة الإعلام .
ولعل بعض الذين يكتبون عن الفنان لا يعبرون بصدق عن لحظات انتظاره لميلاد اللوحة ، والحذر كل الحذر لمن يقترب من عالمه وكأنه سوف يقع في شرك مخادع أو نصاب في اللحظة التي يأمل فيها الفنان أن يسمع كلمة جميلة أو إبتسامة قد تبقيه ساعات أطول منتشيا بتلك اللحظة التي هي أثمن من بيع لوحة بثمن بخس من أجل شراء طعام أو دفع إيجار مسكن ، تلك الحالات الإنسانية التي لا يتطرق إليها الروائيين بشكل قريب ظنا منهم إنها أشياء لا تهم القارىء بالضرورة أكثر من الحديث عن قدرته الكبيرة في سرعة الرسم وبيع اللوحات بأثمان باهظة .
فما ظنك بفنان يقف أمامك بملابس رثة متهالكة وحال بائس يشبه المتسول ، كل همه أن يطعم صغيره ، وغير مدرك يقينا أن لديه قدرة وموهبة يقدمها وسوف تعمل على فتح طريق جديد للإبداع وتلهم الكثير من المبدعين لتقليد أسلوبه ، وهذا الذي حدث فعلا مع بطلة قصتنا ، ومن اللقطات الأولى للفيلم وتلك الشابة تجمع أغراضها في عجالة وتصطحبت ابنتها في رحلة بالسيارة تشق بها الطرق وتدفعك لمتابعة احداث جرت في وقت سابق عن يومنا هذا ، هل ظنت حقا الرسامة مارجريت كين عندما تركت منزلها أنها هربت من الظلام إلى الضوء؟
في تاريخ الفن هناك قصص غريبة تحصل، لكن قصة "العيون الكبيرة" هي من أغرب القصص التي يجب أن نتعلم منها ، بل والتي حتما سنتعلم منها الدرس الذي لا يمكن أن ننساه طوال حياتنا ألا ننساق وراء الكذب من أجل المال ، وإذا كان الفن يخلق عالم أكثر إنسانية فما ذلك الذي نراه بشكل يومي من إجحاف وظلم وتحقير للمبدعين ؟
تقابلت مرجريت مع ولتر كين كما تلتقي قناتين أو تفريعتين ليصبا في نهر ، هكذا ظنت هي في بدايات الهيام والملاطفة ، وبدايات أيام الزواج الأولى وصدقه ومحبته ولكننا لا ندرك على وجه اليقين هل أوحى إليها أن هذا المصب أو النهر لايمكن أن يحمل اسمين ولذلك يجب أن يكون اسم كين وسيلتها وعلامتها الفارقة وحضورها في عالم الفن والذي وصلنا من معرفة في هذا الجزء أنه قال لها أن المرأة لا تبيع أعمالها هكذا وإنما تعطي توكيلا لشخص يبيع لها وكان هو ذاك الشخص  .. كانت مارجريت توقع على لوحاتها (كين)
يوم أن عرض عليها الزواج كأنه يبث في روحها الحياة ونجحا كل من المخرج ونجم الفيلم في تجسيد صورته الباهتة  والضياع الذي كان يعيشه وعدم التوفيق في بيع أي من لوحاته التقليدية وعتيقة الطراز ، ثم تلك المضاربة التي تمت بالبار وكتب عنها صحفي تبنى بناء شهرته حتى أصبح هذا البار معرضا دائما له في الصالة الرابطة بين صالة البار ودورات المياه ، وهنا تكتشف مرجريت كذبته الكبيرة وادعاؤه بانه الفنان الذي قام برسم اللوحات لقطة من اروع لقطات الفيلم ابدعتها ايمي آدمز التي جسدت لحظة الشعور بالمرارة بأن زوجها والتر لا يكذب عليها فقط ويدعي أنه يرسم لوحاتها أنما يحاول أن ينزع منها روحها التي اختلطت مع الوانها 
وإن كانت مارجريت قد تأثرت بمن سبقوها من كبار الفنانين إلا أن أسلوبها قد أثر في فنانين أمثال eve, lee , gig , maio , ozz franca , lgor pantuhoff وكذلك عمل من وحي رسوماتها little miss no name dolls
 الفيلم من بطولة إيمي آدمز وكرستوفر فلتز وداني هيوستن وكريستين ريتر وجيسن شوارتزمن ، يقول المخرج تيم بيرتون:“إنه مثل فيلم رعب غريب هناك قصة حب وكوميديا وعلاقة زوجية. شعرت أنه يمكنني الربط بين كل هذه الأشياء.” الممثلة إيمي آدامز تألقت بدورها في تقمص شخصية الرسامة مارغريت كين، مبدعة لوحات العيون الكبيرة، والتي تعرفت إليها عن قرب.
تقول عنها :“إنها انسانة هادئة جدا، خلال لقائي بها حصلت على إجابات لأسئلتي العديدة، أتمنى حقا أن أكون قد نجحت في تقديم شخصيتها
كما تحدث بهذا الخصوص كريستوف والتز الذي تقمص شخصية ـ والتر كين ـ بهذا الخصوص:“لم أكن أعرف شيئا عن القصة ولم أكن مطلعا على الاحتيال الفني أو عن اللوحات، كنت أعرف هذه الصور من خلال البطاقات البريدية وأتذكر الحيرة التي تنتابني وأنا أشاهدها، لأنها غريبة نوعا ما، ليس في مستوى العيون الكبيرة فحسب، ولكن أيضا لكبر حجم الرؤوس مقارنة بالأجسام إضافة إلى خلفيات اللوحات الغامضة.”
وتم إنتاج الفيلم بــتكلفة ١٠ مليون دولار ولكنه حقق أرباح ٢٠٫٩ مليون دولار .وهو فيلم مستوحى من قصة حقيقية بطلها الرسام والتر كين ، الذي عرف نجاحا كبيرا في خمسينات القرن الماضي بفضل مجموعة من اللوحات الغامضة التي اطلق عليهاعيون كبيرة
لكن العالم يكتشف فيما بعد أن زوجته مارغريت كين من مواليد ١٩٢٧م والتي تطلقت منه عام ١٩٦٥م ، قد رفعت قضية بعد الطلاق بخمس سنوات وأعلنت أنها هي من رسمتها فيلتقيا عام ١٩٨٦م في المحكمة ويطلب القاضي لكل منهما أن يرسم أمام المحلفين ، فأدعى أن كتفه مصاب في الوقت الذي اتمت هي اللوحة في وقت قصير أقل من ساعة ودموعها تختلط بالألوان ، واثبتت حقها ، فتنال شهرة العالم ويخبو نجم ـ والتر كين ـ  بالإضافة إلى المطالبة بتعويض مالي قدرة أربعة ملايين دولار.
بطريقة محترمة ودقيقة يعرضفيلمعيون كبيرة  في قاعات السينما الأمريكية بمدينة نيويورك بالتزامن مع الإحتفال بأعياد الميلاد عام ٢٠١٤م، فيما تمت عروضه الأوروبية فيما بعد.
..................................................................
المقال منشور في عدد ربيع الأول لهذا العام ١٤٤٠هـ بالمجلة العربية