الخميس، 6 سبتمبر 2018

أسطورة طائر النار

أسطورة طائر النار
وقيم التشكيل النحتي عند الفنان محمد الثقفي

بقلم / راضي جودة









ـ أهم ما يميز منحوتات الثقفي شاعرية التصميم  و جماليات التنفيذ .
ـ الثقفي يحاور الحجر حوار غير مسموع يناغي تلك القطع ويغوص بالفكرة .
ـ متى نهتم باقامة معارض تضع النحت في مكانته التي تليق به .

النحت ذلك العالم السحري المتخم بقيم الجمال ، والتي يستخرجها الفنان بإقتدار من سراديب المتخيل ، والعمل الفني الذي يعيش أطولا عمرا ويعد من أهم خصائص عالم الفن التشكيلي والفنون البصرية ، وإن كنا نعترف بندرة الكتابة عن فن النحت وبيان قيم هندسة الكتلة والفراغ ونلمس ذلك القصور النقدي والإعلامي في تسليط الضوء حول المنجز النحتي وفرسانه، تلك الكتابات وذلك النقد الذي لم يكن مسايرا فعلا لهذا النشاط بالقدر الذي يليق به ، إلا بعض الكتابات هنا وهناك بشكل فردي ، كما أن المعارض والفعاليات التي أقيمت للنحت كعمل تشكيلي منفصل يبرز هذا الحراك النوعي ، لم تكن أبدا تلك المعارض بالكم ولا بالكيف الذي يضع النحت في مكانته التي تليق به ، اللهم إلا بعض المعارض المتناثرة هنا وهناك ، حتى أصبح من المعتاد ان يتجاور المجسم مع اللوحة المسندة سواء على قاعدة أو مصطفاً على بعض الطاولات . وإذا كان فن النحت يتميز عن غيره من الفنون بأنه يقوم على الإزالة في معظمه ، أي أن الفنان (النحات) لا يرى القطع الحجرية أو الخشبية مجرد جوامد فقط لكن تربطه خيوط المتخيل بالتفاصيل التي تكتنزها القطع الحجرية في علاقة مسيسة بالمخبوء .
ونحن نتناول تجربة الفنان محمد الثقفي وتطورها يمكننا القول أن الثقفي يعد الآن أحد أبرز رموز النحت في المملكة العربية السعودية  كيف لا وهو صاحب فكر مختلف لا يخلو من تلقائية التناول بموضوعية أو  النحت بأصول هندسية ، ولعله يعشق التميز بالخروج عن المألوف ويتبنى في صميم أعماله لعنصرين رئيسيين هما :
(أ) شاعرية التصميم ، و( ب ) جمالية التنفيذ ، كما أنه يجمع في مجسماته صياغة  التزاوج بين الحجر والخامات الصناعية بإحساس فلسفي عاطفي ـ رومانتيك ـ للدرجة التي تشعرك وانت تراقب أعماله أنك أمام قصائد غزلية اعتني بتجملها وتلوينها الفنان بالإضافة للقدرة الإبتكارية الواعية والخبرة في تباين تلك الألوان مع الحشوات بانسجام مع تجاويف ومناطق نحتية بارزة صنعها خصيصا للتعايش مع الكتلة للوصول للمعني البصري وراء هذا المجهود وتلك الإشكالية من التزاوج الصعب، بل انه استطاع باقتدار المزاوجة بين كتلة الاحجام ورهافة التفاصيل لتحقيق تناغم  بصري بالرغم من ان الشكل الجمعي يعمل على تشتيت زوايا الظل داخل المنظور ، لكن الناقد الحقيقي لا يخفي انبهاره بتلك الصياغات في الفراغ التي تصنع مجسما جماليا لا تختل عناصر تكوينه .
تميزت أعمال الثقفي عن غيره من معاصريه بتلك الخطوط الرشيقة المتخمة بالابتكار والشاعرية ، ولعل النشئة في البيئة الجبلية كانت لها ذلك الأثر المباشر للخبرة الحياتية والدربة البصرية لما يحيط به من جبال ومرتفعات ، كما ان الدراسة أيضاً ميزه وقيمة مضافة عن أقرانه كونه أحد المهتمين والدارسين لمفهوم النحت حول العالم ، وأحد الباحثين في جماليات النحت العربي وقد وضع نصب عينيه القيمة الفلسفية للخط العربي خاصة الألف بذلك الاعتداد والشموخ . واطروحته العلمية لنيل درجة الماجستير من جامعة أم القرى في مكة المكرمة .
التقيت بالفنان الثقفي بملتقى الدوادمي لفن النحت على الحجر ولم افارقه إلا قليلا في ايام وجودي بالدوادمي وانا احاول بكل جهد جهيد استنتاج الشكل الذي سوف تنتهي إليه القطعة الساكنة بين يديه وتتلقى طعنات الإزميل وضربات المطرقة ، فمعظم الزملاء وضعوا علامات ويسيرون بشكل محدد خلف تلك التقسيمات إلا الثقفي فما أن تسقط قطعة من الحجر إلا احتفظ بها ووضعها جانباً في حوار خاص غير مسموع يناغي تلك القطع ويغوص بالفكرة ، فلما انتهت القطعة أيقنت تماماً أنني أمام فنان يضيف للحجر مساحات بحسابات دقيقة جدا وكأنه يعوض ما سقط منها بارتفاعات مضافة وجسم جديد من مبتكر إبداعه .
وبما أن بيننا تواصل على المستوى الإنساني والإبداعي كان لقب طائر النار هو مفتاح شخصية الفنان النحات الثقفي الذي جذبته قراءة الأساطير أن يعمل على منحوتة باسم طائر النار ( الفينيق ) كما أن اسطورة جلجاميش كانت أيضا دافعاً لعمل ( منحوتة جلجامش ) فنحن أمام فنان قارىء مثقف واع بما تحتويه الاسطورة وأن طائر النار لا يعود جميلا كما كان إلا إذا احترق ، لذلك هو لا يعمل على تفتيت الحجر فقط بل إعادة ترميمة وتجميله بقوة وحرارة تشبه اللهيب ليعود من جديد طائره الذي يحلم .
كثيرة هي أعمال وتجارب الفنان الثقفي الذي يتلمس جماليات ومفاتن داخل قطع الأحجار يلمحها بدربة عالية ، وتتحول بين يديه وأدواته لمنجزات نحتية تتسم بالجمال والنضج والبعد الفكري ، وقد أخذ على عاتقه أن يرتقي بأدواته وفن النحت وكانت له ومازالت العديد من المشاركات المحلية والإقليمية والدولية حقق من خلالها مراكز متقدمة لإسم المملكة والتشكيل السعودي ونال الشهادات والتقديرات والجوائز التي تناسب هذا الدأب والمثابرة والتجريب ، الثقفي بحق تجربة شابة تتجدد مع الأيام .



………………………………………………………………………….
ـ لقب طائر النار هو مفتاح شخصية الفنان النحات الثقفي
ـ فن النحت يتميز عن غيره من الفنون بأنه يقوم على الإزالة
……………………………………………………………..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق