دور اليد في العمل التشكيلي
كلما ادرت المفتاح في الباب تعجبت من حركة اليد وهي تدور خلال المعصم في نصف دائرة تساعد في استخدام ذلك المفتاح وهنا لا تكمن الغرابة فحسب فإن عملي مرتبط تماما باليد بشكل أساسي لأن الرسام أو لو قلنا الفنان التشكيلي بشكل فعلي وخاص يقوم عمله على تشكيل قطعة من طين أو رسم اشكال ذات وحدات هندسية متعددة تأخذ فيها اليد دور البطولة الأولى حيث هي الممثل الفعلي للسيناريو الذي يدور داخل وجدان الفنان ويشكل له الهاجس الأهم في تكوينات نصوصه البصرية التي يحاول فيها التعبير بكل ما يملك من قوة للوصول إلى عمل متكامل من كل الزوايا وهنا لابد من وجود اليد الماهرة القادرة على خلط الألوان والتحرك بالفرشاة هنا وهناك داخل اللوحة وكي نقترب قليلا من يد الفنان التشكيلي سوف نلاحظ الكثير من المعلومات التي يتناقلها البعض حول شكل الأصابع واستطالتها والدقة في تكوينها وكأني بهم يصفون ملاقط لا أصابع صحيح أن حجمها ليس يماثل حجم يد الملاكم ولكنها يد طبيعية ذات رهافة في الحس كون اليد هنا تلعب الدور الأهم في تنفيذ العمل الإبداعي وينظر لها الفنان أي لليد على أنها روح تتحرك وتعبر وتأخذ بزمام الأمور ولا أنسى ما حييت مقولة للفنان العبقري سيف وانلي عندما قال : إذا شعرت أن الفرشاة في يدك هي جزء منك لا ينفصل عنك وان أطراف الشعيرات بها نابتة من خلاياك ساعتها تكون ذلك الفنان ، ومن هنا يمكنني القول ان اليد هي الوسيط بين العقل والروح الإبداعية للفنان
هل يختلف الأمر بالنسبة للخطاط عنه للجراح عنه للخزاف و يحضرني كلام للفنانة الخزفية الجزائرية زليخة دازار عندما سألتها عن احساسها باليد التي تشكل الطين وتغوص في الماء والبرودة خاصة في الشتاء فقالت ان يدي عندما تمسك بالطين تشعر أنها تمسك بقطعة مني وكأنها تدلك تلك العضلة هنا أو هناك إن شعوري بالقطعة الفنية يسبقه الشعور باحتضانها وتلمسها والعيش معها
واليد داخل أعمال الفنان لها دور تعبيري كبير ومن المعارض التي تعتمد في صلب إبداعها على وجود اليد كأحد الرموز القوية رأيت معرضاً تشكيليا كبيرا يحتوي على قرابة الستون عملا تشكيلا كلها قائمة على اليد كعنصر أساس في هذا المعرض وكان للفنان ريمون شويتي أقيم بالسفارة الفرنسية بالرياض منذ سنوات تجاوزت الخمسة عشر عاماً أو يزيد كان الحوار يدور عن أهمية اليد وكيف أن تلامس الكفين في المصافحة ينقل بعض المشاعر من حميمية أو صدق أو خوف ورهبة وتوجس كما أن الإشارات في لغة الصم هي مفتاح الكلام والتعبير فإن اليد المنبسطة غير اليد التي تعلو الأخرى وهناك اليد القابضة على شيء وغيرها من أشكال غاص داخلها الفنان ليعبر من خلالها عن شخوص ورموز ربما تعجز عن تعبيراتها وجوه ترتدي أكثر من قناع وكل قناع يتلون بشكل المناسبة
والفن المعاصر حمل الكثير من رمزية الكف واليد والأصابع وخطوط الإبهام كما علامات البصمة هناك الشيء الكثير من تلك الأعمال التني نشاهدها بين حين وآخر ومن الفنانات السعوديات نجد الفنانة حميدة السنان قد أتخذت اليد رمزا حيويا تبني به للمستقبل في تحور ناعم لليد فنراها عصفور يلتقط الأغصان والحشائش الجافة ليصنع عشا من الحلم الجميل وقد رأيت تلك الأعمال في لوحات مركبة من عدد من القطع
لو عدنا للغة الإشارة عند الصم والبكم لوجدنا أن لليد فعل السحر في تداول الحوار في شكل الحروف ونطقها بل ولعلها اتسعت قليلا حتى ترجمت بعض أشكالها للغات أخرى من العربية إلى الإنجليزية وهكذا نرى الدور الهام لليد والذي قد يدفعنا بالتالي للتمثيل الإيمائي بحركة الجسد دون حديث وهنا تتحرك الأيدي بالإشارة وتجسيد بعض الأشكال من طائر وحيوان كما يظهل ذلك في خيال الظل وهذا الأخير يعتمد على وجود الأيدي ومن ورائها أنوار شموع أو سبوت من الضوء ذو مستوى محدد ينقل الظل إلى جدار أو حائط ومن هنا يمكن اعتماد بعض المؤثرات الصوتية وتخرج الأيدي بأشكال عديدة من حيوان وطائر في صور سنمائية تعتمد السلويت (الظل) أو الشدو كعنصر أساس
وإذا عدنا من جديد للتشكيل فنرى أعمال مايكل انجلوا وليوناردو دافنشي ومعظم فناني هذا الزمن الكلاسيكي نجد دورا هاما لليد تأخذ على عاتقها وسائل التعبير والإشارات ولنأخذ على سبيل التذكير لوحة العشاء الأخير بما تحمل من تلميح واشارات باليد حول من هو الذي سوف يخون أو الآخر الذي سوف يتنصل ، كما أن فن الملاحم قد صور لنا الدور الهام لليد أثناء المعارك والتحام القتال ولا ننسى البوستر الأشهر عندما يشير رمز أمريكا (العم سام) إلى من يطالع في الإعلان ليجد عبارة أمريكا تحتاجك أنت.. لنجد بعدها كثيرا من الأوطان ترمز لليد بأن هناك يد تبني وأخرى تحمي والحديث في ذلك قد يطول والنماذج كثيرة ومتعددة ولعلنا نذكر الدلالة البسيطة التي تستخدمها المستعمرات في مختلف أنحاء المعمورة حتى يقيض الله لها التحرير فترفع صورا تدين الإستعمار وأن يد المحتل تبطش وتظلم دون هوادة
نخرج إلى فن آخر من الفنون يعتمد بالاساس على الأيدي وهو فن القراقوز أو كما نسميه في مصر بالأراجوز حيت ترتدي الأيدي قفازات لها أشكال الثياب وتضع فوق أحد الأصابع طربوش أو أي غطاء من أغطية الرأس وأشهرها الطرطور ليمثل لنا حالة من الحالات الإجتماعية وصورة من صور النقد السياسي أو الإجتماعي التي يفهم مغزاها الكبار والصغار على قياس الأقصوصة التي تتم في مشاهد بسيطة
بقيت أمور كثيرة حول اليد في الموسيقى والعزف على الأوتار وآلات النفخ والدفوف والطبول والأيدي هنا هي صاحبة الإيقاع الأكثر قوة كما عناك دور هام لليد في الطبابة وتلمس مناطق الألم كما المساعدة بالعلاج الطبيعي باستخدام اليد في التدليك وغيرة كما الجراحة والرتق والخياطة وعمل النسيج والسدو والتفصيل والحياكة وتصميم المجوهرات والكثير الكثير ولكن في تلك العجالة أوجزت الشيء الكثير ولكن تبقى اليد مجال بحث كبير ونرى موقع ذلك وأهميته في القرآن الكريم وقوله تعالى : يأيها الذين أمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فأغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ....... الآية المائدة ٦ وكثير من الآيات البينات من الذكر الحكيم والسنة المطهرة
هذا وبالله التوفيق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق