السبت، 21 أبريل 2018

فهد الحجيلان الانحياز للفن حتى الرمق الأخير




فهد الحجيلان
الانحياز للفن حتى الرمق الأخير


راضي جودة

أسطورتي كانت جنيناَ فوق مهد من ورق .. هل تعرفين كيف ذاك المهد في كفّي أحترق .
                                                                                              فهد الحجيلان


التجارب الإبداعية التي تطرح قضايا هامة ، تعيش طويلا في ذاكرة المتلقي الذي كان يقف أمام حالة الإبداع منتشيا من خلال نظرة تأملية لقدرة العمل الفني على الإختراق للمشاعر ، ثم كيف لبعض الألوان والرموز والاشكال ان تعلق بالذهن وتطرح الرؤى التي سرعان ما تخلق لك جوا جديدا لمعايشة الفنان أجواء فرحه أو حزنه ، رغم انك قد تترك المعرض وتذهب في حال سبيلك سوف تبقى بعض اللمسات أو الأشكال عالقة في ذهنك وتكشف بنفسها عن الذات المبدعة وتجربتها التي كانت بين يديك منذ لحظات.
الفنان الحجيلان نوع فريد من المبدعين الذين يشعرونك بأهمية ما يقدمون وتظهر على ملامحهم خطوط اشكالهم والوانهم في صدق تجربتهم ، فهد الحجيلان هذا الإنسان الرقيق البسيط الذي يتراقص على لسانه حرف الراء وتتسع ابتسامته لذلك ، وهو من أكثر الفنانين حياء ودماسة خلق ، لا يترك محدثه حتى يشعر أن رسالته اللونية قد وصلت ، وسوف تدرك سريعا أنك أمام شاعر وفنان وسارد ومثقف ومحاور جيد.
كان الحجيلان تجريبيا بامتياز يقدم اعمالا بكل الخامات ( بالحبر والفحم وبالفن الرقمي والالوان المائية والألوان الزيتية والخامات المتعددة ) وفكرا مفاهيميا لا يقف عند حالة المعاصرة وركوب الموجة ، وانما يعيش مع حركة الفن واتجاهاته وهو يعلم تمام العلم أن مسار الإبداع منفصلا عن أي ذات وانما متلبسا طبيعة الحالة يستلهمها خيالا فهو يحلل التجربة جيدا ويضع لها أكثر من لون وأكثر من حل ورمز وشكل حتى تستقر وتظهر ملامحها وتعلن عن نفسها، الحجيلان يرسم الحصان المتخيل في عالمه هو ، وقد لا يكتفي الحصان بين يديه أن يكون طائرا محلقا في روح أنثى ذات عنق جميل تراوغه في دلال وفي خفة وقد تعانده كما الأيام وتغوص في لون الخلفية الحزين ، طيور فهد الحجيلان وازهاره وخيوله والأنثى التي ظل يرسمها طول حياته سوداء الشعر حارقة النظر .. عربية الملامح ، كلها رموزه تحمل بصمته وتوقيعه ، نابعة من رحلة بحثه المضنية والإشتغال اليومي للحصول على فن بصري مستقل وله تخصه هو دون غيره حتى أصبح الرسم هو قوت يومه ولعلي قلت فيما سبق في أحد المقالات أني لم أشاهد فنانا يحتضن أعماله لتنام إلى جواره مثلما يفعل فهد الحجيلان .  
لم يكن تجريديا كما يظن البعض إلا في حالات بسيطة لأن اسلوبه في تجربته الفنية مبني على التجريب والتحليق حول الفكرة، في اسطورة الريح استخدم أكثر من أربعين لوحة من أجل الحصول على لوحة واحدة تستقر على الإحساس بحركة الريح لتكون غلافا بعد ذلك لديوان شعر ، كانت لديه قدرة كبيرة على استنباط الأشكال وكان يرسم للقصائد وللأعمدة الصحفية وأغلفة الكتب التي تصدر عن جريدة الرياض .
تلك قصة كنت شاهد عليها من تجارب ابو عبد الرحمن .. عرض لوحة بيضاء تماما ليس بها لون ولا خدش ولا أي تأثير ولكن اسفل اللوحة كانت توجد أشكال كثير تشبه قطع الحجارة مكونة من أخشاب وأقمشة وكلها أيضا باللون الأبيض في حالة تتشابك كثيرا مع الاوبتكال ارت ، التحريض أو الخداع البصري ، فأشار للقطع الموجودة أسفل اللوحة وقال تلك المخلوقات كانت هنا في اللوحة ولكنها سقطت مني واستقرت على الأرض .. فنان يفكر ويبتكر ويحدث حالة من الدهشة .
نزوع الحجيلان لفكرة عدم المحاكاة أو التقليد خاصة عندما ينحاز للتعبيرية فأنه يأخذ من الأحداث والبيئة ويقدم تلخيصا موجزا يشرح وجة نظره في سهولة ويسر ، كانت لديه اللوحة الرمز التي يشكو إليها وتحمل شكواه لفراسة وفهم من يعرفونه عن قرب ، كان يؤكد على أن العمل لابد أن يستمر وتتكرر نفس الألوان والمشاهد وهو التفكير المنطقي للبحث عن نسق ونمط مستحدث .
وفي ملمح آخر من التجربة الفنية الفريدة للفنان فهد الحجيلان هي الثنائية ، كانت له ثنائية في فترة ما مع الفنان ناصر الموسى ثم ثنائية أخرى أكثر أمتدادا مع الفنان فيصل المشاري التي شهدت عملهم المشترك بالصحف ومعرضهم المشترك أيضا.
ولكن الثنائية التي أعتقد أنها الأخيرة كانت ثنائية تجمعة مع الفنان هاشم سلطان ـ يرحمهما الله ـ شهدت لهما صالة شدا والمعارض والأنشطة التي كانت تملأ ليل الرياض سهرا وبهجة حتى كانت وفاة هاشم الذي كانت صدمة كبيرة مثل صدمتنا اليوم في وفاة الفنان الغزير الإنتاج المتفرد فيما ينتج ذو الخبرة الونية الكبيرة التي يجب أن يتناولها النقاد والدارسين بشكل حقيقي بعيدا عن الاسقاطات المعيشية والحياتية والحالة المزاجية فالفن بطبيعة تكوينه قابل للكسر ويحتاج لحالة من التعامل ذات اسلوب خاص في جو بعيد عن الضغط النفسي والكبت الاديولجي والصراع على لقمة الخبز .
كلمة أخيرة قالها لي ذات مساء :

لا تجادلني حول التمحور فيما وراء المساحة والشكل ، لا تقول لي لماذا جاءت تلك هنا ، فأنا أضع تفاصيل غير مشروحة ، تفاصيل أخفيها ليبقى المعنى دائما يطرح السؤال .


.........................................................
المقال تم نشره بالمجلة العربية ـ العدد ٤٩٩ .١ رجب ١٤٣٩ / ١٦ ابريل ٢٠١٨



السبت، 7 أبريل 2018

عندما يكون الحرف محور الفن




معرض نجا المهداوى 
حوار فني لحرف محوره الفن
مما يميز قاعة حوار للفنون أنها مشغولة بتقديم مشاهد ثقافية وقامات عربية في عالم الفنون الجميلة تتجاوز حدود الممكن إلى أفق ما الذي يمنع ومن هنا شاهدنا بالأمس القريب بصمات عربية ناصعة الوضوح بالفن الراقي دون محاباه فالفن الجيد يفرض بريقه أمام عين الفاحص المتابع والمحب للفنون 
..استضافت قاعة حوار الفنان نجا المهداوى وتقيم له معرضا فنيا يحتوى على أكثر من ٣٠ عملا فنيا من أعماله بالإضافة إلى عرض مايزيد عن ١٣ قطعة مجوهرات لشانتيلا الأيطالى من تصميم الفنان وذلك . وقد صاحب المعرض  بعد يوم الأفتتاح  محاضرة القاها المهداوى بعنوان " تحدى الفنان العربي داخل الوطن العربي وخارجه" والتي دارت محاورها  حول  التحديات والتسهيلات والمعوقات التي تواجه الفنان العربي داخل وخارج وطنه  تداخل معه العديد من الفنانين منهم الفنان المعروف وجيه نحلة والدكتور عادل ثروت والدكتور محمد عبد اللاه والدكتور محمد عبد المجيد فضل حول غياب دور الدولة في رعاية المبدعين وعدم الاهتمام بدراسة أعمالهم وأقامة معارض لهم كما المعوقات التي تقف أمام وصول الكثير من المبدعين العرب للعالم لوجود لوبي ضخم يروج لتأخر المثقف العربي وعدم وعيه بما يدور من مستجدات 
ونجا المهداوى ولد بتونس عام ١٩٣٧م. وتخرج من أكاديمية الفنون بسانتا اندريا فى روما ومرشح حر بمدرسة اللوفر بفرنسا " شعبة التحف الشرقية"و يعد من أهم الفنانين العرب العالميين المعاصرين و الذى حصل على عددا من الامتيازات والجوائز العالمية وعرضت أعماله الفنية في عدد لا يحصى من معارض الفنون  العربية و العالمية ولدية أعمال مقتناة في المتاحف العالمية منها: المتحف البريطاني ، متحف الوطن الأفريقي، متحف واشنطون دى سى ، المتحف الوطني ومتحف دو موند العربي بباريس والمتاحف الوطنية في كل من: اسكتلندا وطوكيو والبحرين وقطر والأردن وكندا ومتحف الملك فهد بن عبد العزيز التاريخي ومتحف تونس وأرامكو السعودية . كما أنه شارك في العديد من المعارض العربية والعالمية.

أستطاع هذا الفنان بحروفه التشكيلية ذات الوتيرة والاسلوب الخاص به أن ينقل رسالة إلى العالم الغربي تحمل هوية "عربي" فحروفه التي أبداعتها أنامله وليس فيها ذلك النسق الذي ميز الخطوط القاعدية العربية ذات القوة واليونة والسلاسة وانما حروف رشيقة تكاد تكون حروفه حور من نسيج ذاته تدنو وتتباعد وتتمحور وتتبادل المواقع في تشكيلات  ثابتة أحيانا وراقصة في حين آخر وفي تواجد لوني عجيب قل أن نرى نظيره في مد الخبرة ونصاعة اللون والأداء الهندسي داخل العمل الفني


دور اليد في العمل التشكيلي



دور اليد في العمل التشكيلي

كلما  ادرت المفتاح في الباب تعجبت من حركة اليد وهي تدور خلال المعصم في نصف دائرة  تساعد في استخدام ذلك المفتاح وهنا لا تكمن الغرابة فحسب فإن عملي مرتبط تماما باليد بشكل أساسي لأن الرسام أو لو قلنا الفنان التشكيلي بشكل فعلي وخاص يقوم عمله على تشكيل قطعة من طين أو رسم اشكال ذات وحدات هندسية متعددة تأخذ فيها اليد دور البطولة الأولى حيث هي الممثل الفعلي للسيناريو الذي يدور داخل وجدان الفنان ويشكل له الهاجس الأهم في تكوينات نصوصه البصرية التي يحاول فيها التعبير بكل ما يملك من قوة للوصول إلى عمل متكامل من كل الزوايا وهنا لابد من وجود اليد الماهرة القادرة على خلط الألوان والتحرك بالفرشاة هنا وهناك داخل اللوحة وكي نقترب قليلا من يد الفنان التشكيلي سوف نلاحظ الكثير من المعلومات التي يتناقلها البعض حول شكل الأصابع واستطالتها والدقة في تكوينها وكأني بهم يصفون ملاقط لا أصابع صحيح أن حجمها ليس يماثل حجم يد الملاكم ولكنها يد طبيعية ذات رهافة في الحس كون اليد هنا تلعب الدور الأهم في تنفيذ العمل الإبداعي وينظر لها الفنان أي لليد على أنها روح تتحرك وتعبر وتأخذ بزمام الأمور ولا أنسى ما حييت مقولة للفنان العبقري سيف وانلي عندما قال : إذا شعرت أن الفرشاة في يدك هي جزء منك لا ينفصل عنك وان أطراف الشعيرات بها نابتة من خلاياك ساعتها تكون ذلك الفنان ، ومن هنا يمكنني القول ان اليد هي الوسيط بين العقل والروح الإبداعية للفنان
هل يختلف الأمر بالنسبة للخطاط عنه للجراح عنه للخزاف و يحضرني كلام للفنانة الخزفية الجزائرية زليخة دازار عندما سألتها عن احساسها باليد التي تشكل الطين وتغوص في الماء والبرودة خاصة في الشتاء فقالت ان يدي عندما تمسك بالطين تشعر أنها تمسك بقطعة مني وكأنها تدلك تلك العضلة هنا أو هناك إن شعوري بالقطعة الفنية يسبقه الشعور باحتضانها وتلمسها والعيش معها
واليد داخل أعمال الفنان لها دور تعبيري كبير ومن المعارض التي تعتمد في صلب إبداعها على وجود اليد كأحد الرموز القوية رأيت معرضاً تشكيليا كبيرا يحتوي على قرابة الستون عملا تشكيلا كلها قائمة على اليد كعنصر أساس في هذا المعرض وكان للفنان ريمون شويتي أقيم بالسفارة الفرنسية بالرياض منذ سنوات تجاوزت الخمسة عشر عاماً أو يزيد كان الحوار يدور عن أهمية اليد وكيف أن تلامس الكفين في المصافحة ينقل بعض المشاعر من حميمية أو صدق أو خوف ورهبة وتوجس كما أن الإشارات في لغة الصم هي مفتاح الكلام والتعبير فإن اليد المنبسطة غير اليد التي تعلو الأخرى وهناك اليد القابضة على شيء وغيرها من أشكال غاص داخلها الفنان ليعبر من خلالها عن شخوص ورموز ربما تعجز عن تعبيراتها وجوه ترتدي أكثر من قناع وكل قناع يتلون بشكل المناسبة 
والفن المعاصر حمل الكثير من رمزية الكف واليد والأصابع وخطوط الإبهام كما علامات البصمة هناك الشيء الكثير من تلك الأعمال التني نشاهدها بين حين وآخر ومن الفنانات السعوديات نجد الفنانة حميدة السنان قد أتخذت اليد رمزا حيويا تبني به للمستقبل في تحور ناعم لليد فنراها عصفور يلتقط الأغصان والحشائش الجافة ليصنع عشا من الحلم الجميل وقد رأيت تلك الأعمال في لوحات مركبة من عدد من القطع
لو عدنا للغة الإشارة عند الصم والبكم لوجدنا أن لليد فعل السحر في تداول الحوار في شكل الحروف ونطقها بل ولعلها اتسعت قليلا حتى ترجمت بعض أشكالها للغات أخرى من العربية إلى الإنجليزية وهكذا نرى الدور الهام لليد والذي قد يدفعنا بالتالي للتمثيل الإيمائي بحركة الجسد دون حديث وهنا تتحرك الأيدي بالإشارة وتجسيد بعض الأشكال من طائر وحيوان كما يظهل ذلك في خيال الظل وهذا الأخير يعتمد على وجود الأيدي ومن ورائها أنوار شموع أو سبوت من الضوء ذو مستوى محدد ينقل الظل إلى جدار أو حائط ومن هنا يمكن اعتماد بعض المؤثرات الصوتية وتخرج الأيدي بأشكال عديدة من حيوان وطائر في صور سنمائية تعتمد السلويت (الظل) أو الشدو كعنصر أساس
وإذا عدنا من جديد للتشكيل فنرى أعمال مايكل انجلوا وليوناردو دافنشي ومعظم فناني هذا الزمن الكلاسيكي نجد دورا هاما لليد تأخذ على عاتقها وسائل التعبير والإشارات ولنأخذ على سبيل التذكير لوحة العشاء الأخير بما تحمل من تلميح واشارات باليد حول من هو الذي  سوف يخون أو الآخر الذي سوف يتنصل ، كما أن فن الملاحم قد صور لنا الدور الهام لليد أثناء المعارك والتحام القتال ولا ننسى البوستر الأشهر عندما يشير رمز أمريكا (العم سام) إلى من يطالع في الإعلان ليجد عبارة أمريكا تحتاجك أنت.. لنجد بعدها كثيرا من الأوطان ترمز لليد بأن هناك يد تبني وأخرى تحمي والحديث في ذلك قد يطول والنماذج كثيرة ومتعددة ولعلنا نذكر الدلالة البسيطة التي تستخدمها المستعمرات في مختلف أنحاء المعمورة حتى يقيض الله لها التحرير فترفع صورا تدين الإستعمار وأن يد المحتل تبطش وتظلم دون هوادة
نخرج إلى فن آخر من الفنون يعتمد بالاساس على الأيدي وهو فن القراقوز أو كما نسميه في مصر بالأراجوز حيت ترتدي الأيدي قفازات لها أشكال الثياب وتضع فوق أحد الأصابع طربوش أو أي غطاء من أغطية الرأس وأشهرها الطرطور ليمثل لنا حالة من الحالات الإجتماعية وصورة من صور النقد السياسي أو الإجتماعي التي يفهم مغزاها الكبار والصغار على قياس الأقصوصة التي تتم في مشاهد بسيطة
بقيت أمور كثيرة حول اليد في الموسيقى والعزف على الأوتار وآلات النفخ والدفوف والطبول والأيدي هنا هي صاحبة الإيقاع الأكثر قوة كما عناك دور هام لليد في الطبابة وتلمس مناطق الألم كما المساعدة بالعلاج الطبيعي باستخدام اليد في التدليك وغيرة كما الجراحة والرتق والخياطة وعمل النسيج والسدو والتفصيل والحياكة وتصميم المجوهرات والكثير الكثير ولكن في تلك العجالة أوجزت الشيء الكثير ولكن تبقى اليد مجال بحث كبير ونرى موقع ذلك وأهميته في القرآن الكريم وقوله تعالى : يأيها الذين أمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فأغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ....... الآية المائدة ٦ وكثير من الآيات البينات من الذكر الحكيم والسنة المطهرة

هذا وبالله التوفيق