فهد الحجيلان
الانحياز للفن حتى الرمق الأخير
راضي جودة
أسطورتي كانت جنيناَ فوق مهد من ورق .. هل تعرفين كيف ذاك المهد في كفّي أحترق .
فهد الحجيلان
التجارب الإبداعية التي تطرح قضايا هامة ، تعيش طويلا في ذاكرة المتلقي الذي كان يقف أمام حالة الإبداع منتشيا من خلال نظرة تأملية لقدرة العمل الفني على الإختراق للمشاعر ، ثم كيف لبعض الألوان والرموز والاشكال ان تعلق بالذهن وتطرح الرؤى التي سرعان ما تخلق لك جوا جديدا لمعايشة الفنان أجواء فرحه أو حزنه ، رغم انك قد تترك المعرض وتذهب في حال سبيلك سوف تبقى بعض اللمسات أو الأشكال عالقة في ذهنك وتكشف بنفسها عن الذات المبدعة وتجربتها التي كانت بين يديك منذ لحظات.
الفنان الحجيلان نوع فريد من المبدعين الذين يشعرونك بأهمية ما يقدمون وتظهر على ملامحهم خطوط اشكالهم والوانهم في صدق تجربتهم ، فهد الحجيلان هذا الإنسان الرقيق البسيط الذي يتراقص على لسانه حرف الراء وتتسع ابتسامته لذلك ، وهو من أكثر الفنانين حياء ودماسة خلق ، لا يترك محدثه حتى يشعر أن رسالته اللونية قد وصلت ، وسوف تدرك سريعا أنك أمام شاعر وفنان وسارد ومثقف ومحاور جيد.
كان الحجيلان تجريبيا بامتياز يقدم اعمالا بكل الخامات ( بالحبر والفحم وبالفن الرقمي والالوان المائية والألوان الزيتية والخامات المتعددة ) وفكرا مفاهيميا لا يقف عند حالة المعاصرة وركوب الموجة ، وانما يعيش مع حركة الفن واتجاهاته وهو يعلم تمام العلم أن مسار الإبداع منفصلا عن أي ذات وانما متلبسا طبيعة الحالة يستلهمها خيالا فهو يحلل التجربة جيدا ويضع لها أكثر من لون وأكثر من حل ورمز وشكل حتى تستقر وتظهر ملامحها وتعلن عن نفسها، الحجيلان يرسم الحصان المتخيل في عالمه هو ، وقد لا يكتفي الحصان بين يديه أن يكون طائرا محلقا في روح أنثى ذات عنق جميل تراوغه في دلال وفي خفة وقد تعانده كما الأيام وتغوص في لون الخلفية الحزين ، طيور فهد الحجيلان وازهاره وخيوله والأنثى التي ظل يرسمها طول حياته سوداء الشعر حارقة النظر .. عربية الملامح ، كلها رموزه تحمل بصمته وتوقيعه ، نابعة من رحلة بحثه المضنية والإشتغال اليومي للحصول على فن بصري مستقل وله تخصه هو دون غيره حتى أصبح الرسم هو قوت يومه ولعلي قلت فيما سبق في أحد المقالات أني لم أشاهد فنانا يحتضن أعماله لتنام إلى جواره مثلما يفعل فهد الحجيلان .
لم يكن تجريديا كما يظن البعض إلا في حالات بسيطة لأن اسلوبه في تجربته الفنية مبني على التجريب والتحليق حول الفكرة، في اسطورة الريح استخدم أكثر من أربعين لوحة من أجل الحصول على لوحة واحدة تستقر على الإحساس بحركة الريح لتكون غلافا بعد ذلك لديوان شعر ، كانت لديه قدرة كبيرة على استنباط الأشكال وكان يرسم للقصائد وللأعمدة الصحفية وأغلفة الكتب التي تصدر عن جريدة الرياض .
تلك قصة كنت شاهد عليها من تجارب ابو عبد الرحمن .. عرض لوحة بيضاء تماما ليس بها لون ولا خدش ولا أي تأثير ولكن اسفل اللوحة كانت توجد أشكال كثير تشبه قطع الحجارة مكونة من أخشاب وأقمشة وكلها أيضا باللون الأبيض في حالة تتشابك كثيرا مع الاوبتكال ارت ، التحريض أو الخداع البصري ، فأشار للقطع الموجودة أسفل اللوحة وقال تلك المخلوقات كانت هنا في اللوحة ولكنها سقطت مني واستقرت على الأرض .. فنان يفكر ويبتكر ويحدث حالة من الدهشة .
نزوع الحجيلان لفكرة عدم المحاكاة أو التقليد خاصة عندما ينحاز للتعبيرية فأنه يأخذ من الأحداث والبيئة ويقدم تلخيصا موجزا يشرح وجة نظره في سهولة ويسر ، كانت لديه اللوحة الرمز التي يشكو إليها وتحمل شكواه لفراسة وفهم من يعرفونه عن قرب ، كان يؤكد على أن العمل لابد أن يستمر وتتكرر نفس الألوان والمشاهد وهو التفكير المنطقي للبحث عن نسق ونمط مستحدث .
وفي ملمح آخر من التجربة الفنية الفريدة للفنان فهد الحجيلان هي الثنائية ، كانت له ثنائية في فترة ما مع الفنان ناصر الموسى ثم ثنائية أخرى أكثر أمتدادا مع الفنان فيصل المشاري التي شهدت عملهم المشترك بالصحف ومعرضهم المشترك أيضا.
ولكن الثنائية التي أعتقد أنها الأخيرة كانت ثنائية تجمعة مع الفنان هاشم سلطان ـ يرحمهما الله ـ شهدت لهما صالة شدا والمعارض والأنشطة التي كانت تملأ ليل الرياض سهرا وبهجة حتى كانت وفاة هاشم الذي كانت صدمة كبيرة مثل صدمتنا اليوم في وفاة الفنان الغزير الإنتاج المتفرد فيما ينتج ذو الخبرة الونية الكبيرة التي يجب أن يتناولها النقاد والدارسين بشكل حقيقي بعيدا عن الاسقاطات المعيشية والحياتية والحالة المزاجية فالفن بطبيعة تكوينه قابل للكسر ويحتاج لحالة من التعامل ذات اسلوب خاص في جو بعيد عن الضغط النفسي والكبت الاديولجي والصراع على لقمة الخبز .
كلمة أخيرة قالها لي ذات مساء :
لا تجادلني حول التمحور فيما وراء المساحة والشكل ، لا تقول لي لماذا جاءت تلك هنا ، فأنا أضع تفاصيل غير مشروحة ، تفاصيل أخفيها ليبقى المعنى دائما يطرح السؤال .
.........................................................
المقال تم نشره بالمجلة العربية ـ العدد ٤٩٩ .١ رجب ١٤٣٩ / ١٦ ابريل ٢٠١٨