التجريد
النمط الفني التشكيلي
الأكثر شيوعا اليوم بين فناني المملكة
راضي جودة
عناوين جانبية مقترحة :
- حاول الرواد من الفنانين ايجاد مناخا جديدا للفن يصبح به عنصرا ماديا يدخل تفاصيل الحياة اليومية
- ميول الفنان إلى تجاوز النظرة المظهرية الساكنة في قالب التقليدية والاستعانة بأساليب ساهم في تطلعه لها الاكتشافات العلمية والابتكارات الأدبية والاستعانة بالحاسب الآلي والأجهزة الذكية
ـ ما يعرض في صالات العرض للفنون البصرية والمراكز الثقافية في معظم مناطق المملكة المختلفة نرى اتجاهات فنية معاصرة وتميل في أغلبها إلى الفن التجريدي بصفة عامة
كان الموروث التراثي والإجتماعي هو الحافز الأول في بدايات تكوين الحراك التشكيلي السعودي على أيدي الرواد ، ثم تفرعت صنوف المعرفة ومنابع العلم الفني وتأثر الفنان السعودي بوجود بعض معلمي التربية الفنية من ابناء وطنهم وكذلك بعض المعلمين الوافدين من العراق ومصر وفلسطين وغيرها ، وطالما كانت هناك فرص للمعرفة فمن الصعب إهدارها ، وبالتالي يمكننا القول أن الفنان التشكيلي السعودي استفاد إستفادة بليغة بهذا التنوع والاختلاف في الرؤى ، غير أنه لم تحدث أي قطيعة بينه وبين مجتمعه .. ربما حاول البعض منهم ملامسه الانماط الحديثة وتتبعها غير ان الفترة الطويلة المصاحبة للعمل على توطين الشكل السعودي إذا صح التعبير والخبرات الفنية التي جعلتهم يخلقون مناخا للفن كي يصبح عنصرا ماديا يدخل تفاصيل الحياة بين رصد وتسجيل للبيئة من خلال عدة عناصر نذكر منها .
المدن ، والقرى والبادية والناس .. وكانت العمارة من الداخل أو الخارج هي الشيء اللافت في أعمال كل من صفية بنت زقر وعبد الجبار اليحيا وضياء عزيز وعلي الرزيزاء وطه صبان وحسن مداوي وابراهيم الجبر ومنيرة موصلي وعبد الناصر العمري وخالد العبدان وعلي الصفار وسمير الدهام
الأودية والنخيل والاشجار كما هي أعمال سعد العبيد وصديق كشاف وصالح النقيدان وعبد الله التمامي وصيدة صقران ومحمد الأعجم
الدلة والفناجيل والحطب وشبة النار والشاهي والسيارات القديمة تميز بعملها معظم الفنانين والفنانات ممن شاركوا في فعاليات صالة الفنون بالمهرجان الوطني للثقافة والفنون بالجنادرية .
الزخرفة والخط والملابس والوشم والوسم والحلي والخيام والمفروشات عبد الله حماس وإبراهيم الفصام وناصر الموسى ومحمد العبد الكريم وفاطمة أبو قحاص وعبد الله نواوي ومنصور كردي
الحج وحركة القوافل والخيل والأبل ابراهيم البواردي وفهد النعيمة وناصر الضبيحي وهشام بنجابي وحنان الجعيدان
كما ان البعض قد تأثر بالاسلوب السريالي مثل عبد الحميد البقشي وصالح خطاب وهدى العمر سعيد
وقد نجد بين فناني المملكة فنانون غرائبيون يعملون على الدهشة والإبتكار في أعمالهم التي يقف عندها النقاد بكثير من الترقب والمراقبة للقدرة على المواصلة والتطور للحالة وخلق مناخ إبداعي لما بعد الحداثة كما حدث مع الفنانين بكر شيخون وأحمد ماطر وعبد الناصر غارم وفيصل السمرة ورائدة عاشور، وهاشم سلطان وعبد الله المرزوق
أما نمط التجريد الذي ينقل الأشياء من محيط واقعها وٕالعمل على اعادة صياغتها برٔاوية فنية جديدة تظهر خبرة الفنان وإحساسه باللون والحركة والخيال.
الفن التجريدي نوع من ٔانواع فن القرن العشرين ينبذ الموضوع المحدد المعالم. يسمى الفن التجريدي ٔاحيانًا فن الا هدف.
أولا : اللوحة التجريدية ، عبارة عن قطعة تصويرية فحسب ، وما دامت تعكس حالة أو موضوع ما ، فٕانها تصبح هي ذاتها موضوعا ً، قيمته في بنأيه الداخلي وفي تنظيم عناصره وتماسك ٔاجزاءه .
والمناخ الإجتماعي الشعبي لدى الفنان السعودي وشعوره بالإعتزاز بإسلامه وإنه هو المصدر الأهم وراء اتجاهه إلى الفنون التجريدية التي تتكيف مع عقيدته ليشكل نتيجة فلسفية ذات خصوصية جمالية تتمثل في التجريدات القائمة على الألوان والزخارف والخطوط وبعض الأشكال الموحية ، يتجلى ذلك في أعمال في أعمال الفنان محمد الرباط الذي يجمع بين مفهوم فرادة الخط العربي وقدرته بالتشكيل التجريدي وبين اللون الحر الذي يوحي ولا يفصح ، وليس الرباط وحده من امسك واستمسك بالنمط التجريدي وإنما هناك مجموعة كبيرة وبما الغالبية من الفنانين والفنانات بالمملكة من انتهجوا ذلك وبما يمكن ان نقول عنه :
١ ـ تجريد تعبيري موحي .. عبد اللله الشيخ وعبد الرحمن السليمان حسين المحسن وشليمار شربتلي ووليد الرويبعة وعبد الله الأحمري وتغريد الجدعاني وفهد النعيمة وعبد الله البارقي وسعيد العمري
٢ ـ تجريد هندسي .. يوسف جاها وبكر عبد السلام ونجلاء السليم وحمزة با جودة وبدور السديري ووليد الطويرقي وحسن الغامدي وفهد خليف ونهار مرزوق وسعيد قمحاوي مهدي راجح
وثانياً : وكما أوضح ـ عفيف بهنسي ، جمالية الفن العربي ـ « لم يكن التفكير الهندسي بعيداً عن وعي الفنان العربي المسلم الذي عكف على دراسة التركيبات الهندسية كالمثلث والمربع وما شابهها وإعادة صياغتها بأنظمة تكوينية متناسقة معتمداً على الخط واللون كمادة أساسية في التصميم والآداء. كما انطلق الفنان العربي بتنويع هندسي للخط العربي الذي حمل في البداية أشكالاً هندسية وتطور فيها لتأخذ أشكالاً مختلفة بعضها أشكال منكسرة أو هندسية أو لينة ومتكسرة معاً » ، مما يثبت قدرة الفنان العربي على تجديد رسم الحروف والكلمات ويفسر مدى تحرره الذهني وحسه الروحي والجمالي الذي نلمسه فيما بلغت إليه الكتابة العربية إلى أعلى مراتب التجريد بلغة تشكيلية جديدة ومبتكرة في وقتنا المعاصر.
إذا تطلعنا في وقتنا الحالي على ما يعرض في صالات العرض للفنون البصرية والمراكز الثقافية في معظم مناطق المملكة المختلفة نرى اتجاهات فنية معاصرة وتميل في أغلبها إلى الفن التجريدي بصفة عامة باعتباره هو الفن الذي يشكل الذروة بعد مسار التجارب والبحث وصولا لجوهر الفن وان الجمال الثابت في المطلق هو جمال القدرة على التعبير الفكري الذي يحمله الفنان من إحساس والتوغل في جزء من أجزاءه أو ومضة لحظية عابرة أراد أن يستوقفها ويعلن عنها كالبحث عن السلام والمحبة أو لحظات غضب من جور وتعنت ، الفنان هنا ينقل بشكل شفيف حاله لحظية زمكانية عكس الصور الواقعية التي تفرض وجودها وقواعدها الشكلية وقيمها اللونية على الفنان الذي يكون في الغالب هو أداة التنفيذ وليس الفعل الداخلي الذي يريد أن يخرجه للناس في لحظة وجع أو بهجة .
واهم مكونات فن التجريد هو المضمون الفكري والجمالي والأدائي، فمنذ مطلع القرن التاسع عشر حتى انبثاق منهج الرسم التجريدي في بداية القرن العشرين واجه الفن النمط الكلاسيكي المستند على قواعد وأسس صارمة وتقليدية مما تمخض عنه ظهور مدارس واتجاهات فنية معاصرة رافضة ومتمردة بشدة هذا النمط الذي فرض فرضاً على رغبات الفنان مما أدى إلى ظهور تيارات واتجاهات عديدة ومتلاحقة مثل المدرسة الطبيعية الرسم في الهواء الطلق، وتلتها الرومانسية والواقعية والتأثيرية والوحشية والتعبيرية والرمزية وصولاً إلى التكعيبية والسريالية الخ؛ ومن هذا المنطلق بدأ الفكر الجديد وميول الفنان إلى تجاوز النظرة المظهرية الساكنة في قالب التقليدية والاستعانة بأساليب ساهم في تطلعه لها الاكتشافات العلمية والابتكارات الأدبية والاستعانة بالحاسب الآلي والأجهزة الذكية كوسيلة للبحث والاستقصاء في الخواص الإنسانية والجوهرية للظواهر الكونية ومن هنا نتوقف عند مجسمات الثقفي وطلال الطخيس ، وابتكارات زمان جاسم ونشاط وليد الرويبعة وتعبيرات عبد الله نواوي وعبد الله الأحمري ونهار مرزوق كما الدهشة التي تظهر في أعمال احمد حسين وبكر شيخون أجد أن فن التجريد قد تحول إلى ظاهرة فنية شكلت الحراك والفعل الفني التشكيلي السعودي مما يتعذر معه حصر كل الأسماء والتجارب في هذه العجالة . .
وأختم تلك الرؤية بالمسار والمناخ الذي خلقته اللوحة الفنية في حركة الإقتناء وتسعير الفن ومناطق المنافسة والمعارض وورش التدريب ومعظم الأنشطة القائمة اليوم على النمط التجريدي ، ورغم أن بعض المتذوقين قد يصعب عليهم قراءة اللوحة التجريدية إلا أننا نجد ميول أغلبهم إلى اقتنائها لأنها تومئ بألوانها وتكوينها غير الملموس إلى أحاسيس ورؤى عاطفية أو واقعية أو خيالية فهي تنقل الصلة الحميمة بين شعور الفنان بالحزن والفرح ولوحته التي يصل كيانها المستقل في ذاتها كعمل إبداعي ذات غاية كامنة منفردة للمشاهد.
................................................
المقال نشر بمجلة أحوال المعرفة .
واللوحة المصاحبة هنا للفنانة السعودية نجلاء السليم .