لا بأس بالفن المعاصر ولكن معاصر لمن
راضي جودة ـ الرياض
إن إنطلاقة الحركة التشكيلية السعودية في البدايات جاءت لتتواكب مع النهضة الثقافية التي شهدتها المملكة بجملة من الإجراءات تهتم فيها بالتبادل الفكري والمعرفي والانفتاح على العالم بالتوسع في التعليم والتدريب والفنون والآداب ، ومع تلك الإنطلاقة القوية عرف المجتمع السعودي بعض الأسماء الموهوبة والدارسة والتي أخذت على عاتقها البحث عن المواهب وتقديم بعض المشروعات الأدبية والفنية في المدارس والمعاهد . وننظر هنا للجانب التشكيلي والذي ظهر له نجوم وفرسان ، ومن اشهر تلك الأسماء الفنان عبد الحليم رضوي ، والفنان محمد موسى السليم ، والفنان عبد العزيز الحماد ، والفنان عبد الجبار اليحيا ، والفنان ضياء عزيز ، والفنانة صفية بنت زقر ، ومنيرة موصلي، والفنان عبد الله العبد اللطيف وغيرهم من أجيال تتعاقب من الفنانين ممن اقاموا معارض وشاركوا في فعاليات ثقافية .
ومن مظاهر الاهتمام بواقع الفن لم تتوقف الحركة التشكيلية السعودية عند عتبات البدايات ولم تستكين للفكر الواقعي الذي استمد مفردات اللوحة البكر من عناصر البيئة ، وتفاصيل الحياة اليومية واخذت التجارب الفنية تبحث عن الوحدات الزخرفية التي تتزين بها الجدران داخل وخارج غرف المنازل من مختلف المناطق ، وكذلك نقوش الأبواب والنوافذ والرواشين ، والغوص في تفاصيل الحلي والخناجر والسيوف والدلال ، والتي افرزت نظاما للوحات وللاعمال الفنية وكأنها محددات نظم إجتماعية وقواعد للسلوك .
ونستطيع ان نؤكد على أن المذهب الكلاسيكي الأصيل كان وسيلة التعبير وحدها لما يمثل من دراسة وعمق في التفاصيل ولكن كانت اللوحة تتباين بين فناني تلك الفترة ويغلب على معظمها نمط الإيضاح التعبيري والواقعية غير ان الفنان عبد الحليم رضوي الذي درس الفن باسبانيا تبنى تقديم نمطا تأثيرياً يعتمد الدائرة التي تمنح التفاصيل حركة دوران داخل اللوحة ، التي وتدور حول رموز أعطت اعماله خصوصية وتميز وقد حدد رموزه من طيور وأبل واشخاص ، وفي نفس السياق كان الفنان محمد السليم والدارس للفن بايطاليا قد أتخذ الكثبان الرملية مجالاً لطرح ابتكاره الذي اسماه الأفاقية ،
تصدرت الرئاسة العامة لرعاية الشباب المشهد الثقافي وتم استقطاب بعض الفنانين والفنانات لعمل الورش الفنية والتوسع في المراسم داخل أفرع الجمعية المنتشرة في أنحاء المملكة و كذلك المقر الرئيسي والتعاقد مع بعض الفنانين من العراق ومصر وسوريا والسودان للمشاركة والتدريب وفتح مجال أرحب للإطلاع على التجارب الفنية ، وكذلك الفعل الثقافي المهم جدا والمتجدد دوما بالمهرجان الوطني للتراث والثقافة بالجنادرية والذي امتد لثلاثون عاماً ، وكذلك بعض المسابقات الهامة مثل ( ملون السعودية ) و ( مسابقة السفير ) و ( مسابقة الباحة ) ، وكل تلك المقاصد النبيلة دفعت الفن التشكيلي للأمام وتوالت قافلة المعارض الجماعية التي تنافس على جوائزها المشاركين وظهرت اسماء عديدة منها : ( الفنان على الرزيزاء ، و عثمان الخزيم ، و سعد العبيد ، وكمال المعلم ، وفيصل السمرة ، وعبد الرحمن السليمان ، وعبد الله الشيخ ، وعبد الله ادريس ، ونبيل نجدي ، و محمد سيام ، وطه صبان ، وعبد الله المرزوق ، وسمير الدهام ، و ناصر الموسى ، و هشام سلطان ، وهشام بنجابي ، واحمد فلمبان ، و فهد الحجيلان ، وعلي الطخيس ، وفيصل المشاري ، وشريفة السديري ، وابراهيم النغيثر ، وسعد المسعري ، وعبد العزيز الناجم ، وشادية عالم ، وهدى العمر ، وسامي البار ، واحمد المغلوث ، ويوسف جاها ، وحمزة باجودة ، ومحمد العمير ، وعبد الرحمن العجلان ، وفهد الربيق ، وفيصل الخديدي ، وعبد الله الشلتي ، وعبد الله حماس ، وبكر شيخون ، وابراهيم بوقس ، واحمد الأعرج ، وفايع الألمعي ، ومفرح عسيري ، واعتدال عطيوي ، وعبد الله نواوي ، ومنصور كردي ، وحميدة السنان ، ونوال مصلي ، ورضية برقاوي ، وصالح خطاب ، وعلي الصفار ، واحمد السبت ، وصالح النقيدان ، وبدرية الناصر ، وفايز ابوهريس… الخ ) . ونعترف بالتقصير لو تجاوزنا بعض الاسماء دون قصد لكثرة التجارب في تلك الفترة للأجيال المتعاقبة .
لا شك ان البعثات الدراسية المبكرة صنعت تغييرا كبيراً سواء في دراسة التربية الفنية أو اتساع النشاط التشكيلي ويمكن الرجوع هنا لكتاب ( تاريخ الفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية للدكتور محمد الرصيص ) الذي وثق لتلك المراحل بدقة ، انما الموضوع الذي نتناوله الآن هو ظواهر التجديد في الحركة التشكيلية ومن هنا وبعد ظهور أجيال متعاقبة تتنافس بشرف نحو القمة نشاهد تغييرا كبيرا في اللوحة الفنية والنحت والفوتوغرافيا .
وقد تشتمل بعض المعارض على تقنيات مختلفة من التصوير والجرافيك والتصميم ، لم يكن الفن التشكيل مجرد نشاط إنساني يستخدم للترفيه وملء الفراغ بل هو تعبير إنساني عن الفنان وبيئته والعالم المحيط به ، وتلك التجديدات المضافة للأعمال التشكيلية هي تسجيل لنبض العصر وعالمية التواصل ، ورغم تنوع المناهج والأساليب إلا أن هذا التنوع لم يستطيع ان يجعل الفنان منسلخا تماما عن واقعة ومقومات مجتمعة ، ونلاحظ بعض الأعمال التي تحاكي اعمال منتشرة حول العالم وقد يكون في بعضها نسخة كاملة أو جزء مستنسخ ولكن بعد فترة يحاول الفنان ان تستقر أقدامه وتتحقق تجربتة وتظهر قيمتها وقيمها مع كثرة الورش والمشاركات وتكوين جماعات والاحتكاك بالخبرات والسفر وزيارة المتاحف .
ومن هنا نحاول رصد بعض المعارض المتميزة والتي حققت الدخول لتلك العوالم المعاصرة من خلال الفنون الرقمية والذي اتاح المجال لظهور اسماء جديدة دشنت لهذا الفن ، ومعرض التصوير المغاير ، وكذلك معارض مشروعات التخرج وطرق ابواب جديد منها المفاهيمية والرسم في الفراغ والميديا والافلام القصيرة ، والرسم بالإضاءة .
ولا نغفل الدماء الشابة التي فرضت وجودها باعمالها في المعارض الجماعية والفردية واظهرت قوة في الفكر والأداء ، وقد قدموا جوازات مرورهم للقمة بالجرأة في الطرح وفرادة في الأسلوب وتنوع في الخامات وهي مجموعة كبيرة من الفنانين والفنانات ممن تتصدر أسمائهم معظم الأنشطة في الداخل والخارج بتقدير مستحق ، منهم على سبيل المثال لا الحصر : ( محمد الثقفي ، وزمان جاسم ، و فهد خليف ، وحسين المحسن ، واحمد حسين ، وتغريد البقشي ، ونجلاء السليم ، وزهير طولة ، وعبد الناصر غارم ، واحمد ماطر ، وعلي مرزوق ، وطلال الطخيس ، وصديق واصل ، ومحمد الغامدي ، وعبد العزيز عاشور ، وشليمار شربتلي ، ومحمد الرباط ، وناصر التركي ، وعلا حجازي ، وغادة الحسن ، ومهدي الجريبي ، ووفاء بهاي ، وابراهيم الخبراني ، ونجلاء فلمبان ، ومليح عبد الله ، وهناء الشبلي ، ومنال الرويشد ، وعلي الدوسري ، ووهيب زقزوق ، وخالد الصوينع ، وعبد الله الأحمري ، وفهد الرويبعة ، ومحمد السيهاتي ، ومهدية آل طالب ، وعواطف الصفوان ……. مع حفظ الألقاب والتقدير ، تلك لمحات سريعة لظواهر التجديد للفن التشكيلي السعودي اليوم .