الفنان التشكيلي السوري علي غريب
التخيل هو القدرة على الدخول لآفاق جديدة
الفنان التشكيلي داخلي سيطر على معظم أعمالي
حاوره راضي جودة
] علي غريب فنان خرج من حلب إلى فضاء الترحال يبحث عن سر اللون وإشكالية التخيل، سافر الشاب اليافع من حلب إلى استانبول بعد حصوله على شهادة الثانوية دارساً للهندسة المدنية بمعهد يلدز ، أي النجمة ويعود اختياره للدراسة بتركيا لأواصر القربى، وعندما وضع أقدامه على عتبات الدراسة أخذته السينما حتى قام بالتمثيل في فيلم الآن أصحبنا غرباء يقولها بالتركية يابان جي أولدك ورفضت أسرته فكرة التمثيل ففضل العودة إلى سوريا بعد أن أخفق في دراسة الديكور لكثرة المتقدمين وتحيز القبول للقبارصة الأتراك
عمل نائباً لمدير إدارة قضايا الدولة، وتلك الإدارة لها دور المساعدة في استخراج ومتابعة المستندات التي تدافع بها عن موقف الدولة من تلك القضايا، وترك العمل بعد سنة، سافر بعدها إلى ألمانيا عام ٢٧٩١م للدراسة
يقول عن تلك الفترة»درست في ألمانيا دراسات عديدة منها هندسة الديكور الداخلي وبسبب ملاحقة سلطات الإقامة لجأت للتسجيل طالباً بجامعة (هانوفر) واستكملت الدراسة للحصول على بكالوريوس الهندسة المعمارية، ورغم ذلك درست بالأكاديمية العليا للتربية الفنية SAFBK، والحصول على درجة مصمم وذلك دراستي للرسم الحر والنحت، عشر سنوات قضيتها في المانيا بعدها قدمت للعمل بالسعودية
[ متى سيطر المهندس المدني داخلك على التشكيلي؟
لا بالعكس، سيطر الفن التشكيلي داخلي على معظم أعمالي، وأرى أن الفن التشكيلي هو السيد الذي سيطر على ملكاتي وكان له التأثير الأكبر على كل أعمالي أو مكتسباتي ولأن الفن التشكيلي هو الذي رافقني منذ الطفولة وكان له التأثير على مخيلتي بما فتح أمامي العديد من الطرق والأبواب
[ الوجوه تطارد أعمالك كالأشباح وتتخيلها في كل قطعة مهما اختلفت في الحجم أو المضمون، ترى ما هي التداعيات التي تجعل من الوجوه رموزاً تجسد أمامك؟
من المهم أن أذكر أن جميع الرسامين والفنانين في العالم يعالجون الوجوه ونرى ذلك في أعمال بيكاسو الذي عالج الوجوه والنقاط الإنسانية خاصة المرأة لدورها المهم على أرض الواقع كما تتداخل الطبيعة والإنسان وذلك التمازج بين جميع الكائنات وأنت عندما تسير في المدينة تتقابل مع طيوف من الناس والمعاني وتتأثر بها وربما تعيش معها بطبيعة الحال ولكنها تجذب إحساسك خلال البائس والسعيد والعبوس والضاحك والشاعر حافظ إبراهيم كما شوقي شاعرين في عصر واحد لكن لكل منهما شكل ولون وتأثير على الآخرين، ومخيلتي تحمل صور للإنسان والحيوان والطير والعالم، لدي مخزون ولا أعلن إلا عن القليل.. فعندي تجارب في المتخيل وما وراء الخيال والفنتازيا وأشكال جمالية غير مألوفة وكلها أشياء تعيش في أعماق الفنان
[ ليس هناك منهجية ولا رابط في كثير من أعمالك رغم خصوصيتها الانفرادية،السؤال هنا، هل كل عمل له شخصيته وفرادته أم أنه يعيش مع أعمال أخرى؟
كل عمل عندي له مملكته وإحساسه تنطلق من داخلي باتجاه مدرسة ساقتني إليها اللوحة أو العمل وعلى الرغم من أنني ضد الانفرادية في الفن ولا يدخل في عقلي التقيد بمدرسة بعينها وهذا يعتبر بالنسبة لي طريق واحد لا يمكن الخروج عنه ونهايته محدودة كالفنان الذي يداعب الرموز الأفريقية على سبيل المثال بنفس الألوان وبنفس الأسلوب لسنوات عديدة فالمدرسة الواحدة قيد واختناق للفكر المحلق وأنا ضمن مجموعة من التجريبيين ولست تقليدياً من زاوية أكاديمية خاصة لكن أرى في أعمالي تشعب الطرق وكل عمل خاضع للحظة في الزمن واللون لا يمكن تغييرها بيوم آخر
[ هل المهندس علي غريب أكثر واقعية من الفنان علي غريب أم أنك تحلق بالخيال أينما كنت؟
الهندسة المعمارية خيال وحصولي على الدرجة الأولى في الهندسة المدنية عن مشروع النادي الليلي الذي كان مشروع التخرج أكد الدكتور المشرف أن خيالي واسع وأنه لم ير مثل ذلك المشروع منقبل حتى في بعض الكتب ولم يعالجه أحد بنفس الكيفية وقرر تدريسه للطلاب.. وكثير من الفنانين العالميين أو على مستوى العالم لم يدرسوا الفن بنفس المستوى الذي استغرقته بالدراسة لذلك لا تتعجب من محبتي للفن الذي تغلب على كل الدراسات كما أن فني يتآخى مع عملي المعماري وأعطيك مثال على مدينة ملاهي عندما أعالج الأسطح بنفس لون السماء من أعمال والت ديزني لاضفاء نقاط جمالية للمكان وتغطية السقف بما يشغل حيز المكان من كل اتجاه حتى ترى العنكبوت يسقط من تلك الأسقف أنه موضوع جديد وشيق يدخل حيز التنفيذ لأن الخيال يجعل الإنسان يقوم بأعمال تثير الدهشة.
[ اسمك يرادف اللوحة الباهظة السعر.. ما هي ضوابط الأسعار للوحات في رأيك بين الموضوع، واسم الفنان؟
- السعر ليس له علاقة باللوحة نفسها جيدة أو غير جيدة فهي فكرة فنية بالدرجة الأولى، وفي بداياتي لم أوافق على بيع أربع لوحات أصلية بثمن خمسون ألف ريال أي بقيمة سعر سيارتين صغيرتين في ذلك الوقت ولكن للظروف المعيشية والاحتياجات اليومية أجبرتني على الموافقة
ولو كان لدي من الأموال ما يكفي ما اضطررت لبيع أي من أعمالي وأنا الآن في صراع من أجل البيع أو عدمه حسب ظروفي واسم الفنان مهم للتعريف وليس لتسعير اللوحة
[ رأينا في بعض المعارض لوحات مأخوذة من أعمال أو جزء من أعمال الكبار والصغار عبر الزيارات لأوروبا سابقاً وزيارات الشبكة العنكبوتية حالياً.. ما رأيك في تلك السرقات أم أن لا اسم آخر في رأيك؟
- في كل أنحاء الدنيا توجد تلك السرقات حتى إنهم اتهموا الموسيقار محمد عبدالوهاب في سرقة ألحانه وأعتقد أن الذي يسرق هو فنان ضحل ليس لديه خيال فيسطوا على خيال الآخرين، والفنان الحقيقي يبدع من داخل نفسه وليس نقلاً زوايا وأعمال غيره
[ أعمالك متهمة بأنها تحلق في فضاءات الغرب دون أن تلمس منطقة البيئة التي تحياها.. أقصد الشرق؟
إن العشر سنوات التي أمضيتها في الغرب هي التي بلورت شخصيتي الفنية وصقلت تجربتي بالدراسة والوعي بشكل حقيقي مما سيطر على خيال في استقصاء الأعمال من منابعه الغربية الأصلية، هذا لا يمنع أن لدي أعمال حول البيئة المحلية والعربية لا بأس بها قد تكون قليلة قياساً على جملة أعمالي ولكنها تجارب صميمية لا تنسى وإن كان هناك محاذير على كثير من مفردات الفن في البيئة العربية
[ اصرارك على وصول دعوة للمشاركة في المعارض قد يعطيك فكرة كاملة عن المشاركين وحجم المشاركة ومع ذلك تتقدم ببعض الأعمال القديمة؟ لماذا؟
الجمهور الذي تقدم له أعمالك في العالم العربي ليس بنفس ثقافة واهتمام غيره من جمهور الفن على مستوى العالم فالجمهور العربي انطباعي بشكل كبير، أما الجمهور الأوروبي فهو يتقبل ما تقدم من أعمال وتجريب ويقترب كثيراً من فهم ما تحتويه من رموز واتجاهات، والعمل الذي يصل سعره إلى مليون ونصف أو أكثر ليس بنفس مستوى الجمهور الذي يرى العمل من دون أن يكلف نفسه عناء التفكير سوى في السطوح والأشكال القريبة من عقله وثقافته، ويمكنك أن تتصور كيف اكتسبت هذه الفكرة من تجاربي في معارض بصالة الأمير فيصل بن فهد والسفارتين الفرنسية والمصرية كذلك معارض في أوروبا وهناك من الرسامين ممن يبحثون وراء أسلوبي في الخلفيات وكثير من التقنيات ولم أسمع من الجمهور العربي من يريد أن يقتني جميع لوحاتي عكس الأوروبي الذي يريد أن يدفع ما لديه بطريقة أو بأخرى لاقتناء عمل من أعمالي
وموضوع الفن أو مفهومه بالنسبة لعلي غريب هو أن لدى أساليب وطرق عديدة، أنا على يقين أن قدرة الله سبحانه وتعالى بجمال مخلوقاته جعل لبعض الناس الإحساس بالفن والجمال والتأمل في محتوى الكون، وفي رأيي أن الخيال يعطيك آفاق لم تكن تتصورها